شرح الأساس الكبير،

أحمد الشرفي القاسمي (المتوفى: 1055 هـ)

[ذكر الخلاف في ماهية العقل]

صفحة 100 - الجزء 1

  وثانيها في القوة والجلاء: العلم بالمشاهَد عند سلامة الأحوال فإن هذين العلمين يحصلان للرضيع في مهده، فهما أجلى وأقوى مما بعدهما، ويتبع العلم بالمشاهد العلم بأن ما لم يدرك في الحضرة من المدركات فليس موجوداً فيها، ويتبع ذلك العلم بأنه لو كان في الحضرة لرآه.

  قال ابن متويه⁣(⁣١): فيستند الثالث إلى الأولين، ويستند الثاني إلى الأول.

  وثالثها: العلم بالبدائِهِ نحو كون العشرة أكثر من الخمسة، وكون الاثنين ضعف الواحد ونحو ذلك، فهذا العلم هو دون الأولين في القوة والجلاء؛ إذ لا يحصل للطفل في مهده وهو أقوى مما بعده؛ إذ لا يصح حصول ما بعده إلا بعد حصوله في الغالب.

  ورابعها: العلم بحصر القسمة الدائرة لما تناولته؛ كالعلم بأن المعلوم لا يخلو إما أن يكون موجوداً أو معدوماً، وأن الموجود إما قديم أو محدث، ويتبع ذلك العلم باستحالة حصول الجسم الواحد في الوقت الواحد في مكانين ونحو ذلك.

  وخامسها في مرتبة القوة والجلاء: العلم بتعلق الفعل بفاعله على سبيل الجملة فهذا أجلى مما بعده ولهذا نجده ربما حصل لغير المميز من الأطفال، بل للبهيمة فإنها إذا شاهدت من يهددها بالضرب فرت من جهته؛ لعلمها بتعلق الفعل به ونحو ذلك ففيه من القوة والجلاء ما ليس فيما بعده.

  وسادسها: العلم بمقاصد المخاطبين فيما تجلى وظهر دون ما لطف وغمض، فهذا العلم أقوى مما بعده وأجلى؛ فإنه ربما فهمه الرضيع والبهيمة عند الزجر والدعاء، ألا ترى أن كثيراً من البهائم والكلاب إذا دعيت باسمها أقبلت تهرول فلولا علمها أن صاحبها قصد بدعائه إقبالها إليه ما فعلت ذلك، ونحو ذلك كثير.


(١) أبو محمد الحسن بن أحمد بن متويه، أخذ عن القاضي له كتب مشهورة كالمحيط في أصول الدين والتذكرة في لطيف الكلام من الطبقة الثانية عشرة من المعتزلة. (المنية والأمل باختصار).