(باب: والشريعة)
  (و) لنا أيضاً (إجماع الصحابة علي # وغيره) على العمل بالقياس فكانوا بين قائس وساكت سكوت رضاً والمسألة قطعية؛ لأنها أصل من أصول الشريعة فلما كانت قطعية علمنا أن سكوت الساكت منهم سكوت رضاً وإلا لزم أن يكون سكوتهم منكراً بخلاف المسائل الاجتهادية.
  قال ابن الحاجب: دليل السمع على العمل بالقياس قطعي خلافاً لأبي الحسين.
  قلت: وبسط القول في ذلك موضعه كتب أصول الفقه فليرجع إليه.
  ومما يؤكد ما ذهبنا إليه دلالة العقل وهو أن يقال: إذا كلف الله عبداً فعلاً من الأفعال فالذي تقتضيه الحكمة أن ينصب له طريقاً يعرف به صفة ما كلفه من كونه واجباً أو مندوباً أو قبيحاً ليحترز من القبيح ويفعل الواجب والمندوب وإذا صح هذا نظرنا في الكتاب والسنة فإن وجدنا طريقاً فيهما إلى صفة ذلك الفعل أغنانا ذلك عن القياس، وإن لم نجد طريقاً نظرنا فإن جاز أن يعرف بالقياس صفة الفعل كما يجوز أن يعرف بالنص من الله تعالى ومن رسوله جاز أن يكون القياس طريقاً إلى صفة ذلك الفعل كما أنا نعلم أنه لا فرق بين أن ينص الله تعالى على تحريم الخمر والنبيذ المسكر وبين أن ينص على تحريم الخمر وينص على أن علة تحريمه الإسكار فيلزم القياس عليه.
  وكذلك لا فرق بين أن يدل بدليل على أنه حرم الخمر لهذه العلة ويوجب علينا القياس وبين أن ينصب أمارة يغلب عند النظر فيها الظن أن تحريم الخمر لهذه العلة ويوجب القياس.
  قال في المحيط: فإن قيل: إن هذا يقتضي كونه ظاناً في صفة الفعل ولا يقتضي العلم وقد قلتم: إن الله تعالى إذا كلفنا فعلاً يجب أن ينصب لنا دليلاً نعرف به صفة الفعل.
  فالجواب: أن الظن إنما دخل في طريقه والصفة معلومة وهذا كما بينا في حال