[قصة صاحب الخورنق]
  فيضربانه ويقولان: أما إذا أتيت على ما أتيت فإلى هذه مصيرُك، قال #: فوالذي نفس محمد بيده إنَّه ليصل إلى قلبه حسرةً لا ترتد أبداً. فهذا وجه قوله #: يرى جزاء ما أسلف. والإسلاف والإسلام معناها واحدٌ، ومنه قيل: سَلَفٌ، للقرض مطلقاً، وسَلَمٌ، للقرض على وجهٍ مخصوصٍ وهو البيع الجاري مجراه، والغنى هو النفع الذي ترتفع به الحاجة، والتخليف هو ترك الشيء خلف ظهره، وهو مأخوذ من الخلف، وهو نقيض التقديم.
  المَعْنَى فِي ذَلكَ: أنه ينظر إلى جزائه في قبره على ما أسلف بين يديه إن كان أسلفه، وقلة نفع ما خلَّف خلف ظهره إن كان خلفه، فالْمُخَلَّف على التحقيق حسابٌ وعَناءٌ، والمقدم على التحقيق ثوابٌ وغَناءٌ، والتقديم أصلح الأمرين، وأنفع الذُّخْرَين.
  قوله #: وَلَعَلَّهُ منْ بَاطِلٍ جَمَعَهُ، وَمِنْ حَقٍّ مَنَعَهُ.
  لأنَّ أحوال الناس تختلف، فلذلك ضَجَّعَ(١) القول فيه، والباطل هو الذاهب الهالك الذي لا حقيقة له. والحق هو الواجب اللازم الذي لا شك فيه. والمنعُ نقيض الإعطاء.
  وَمَعْنَى ذَلكَ: أنَّ الحق على من جمع المال من الباطل ومنع الحق فيه وهو تسليمه إلى مستحقه يكون أوضح وجوباً وأعظم حُوباً، فيا جامع المال من الباطل، لمن تجمعه في دار النفاد والزوال؟! ألِنَفْسِك! فقد علمت وَشْكَ الرحيل، وسرعة الانتقال، أم لولدك! فما تنفعك لذَّتُه وأنت في أنواع النكال، وجوامع الأغلال، ويا مانع الحق لِمَ منعته؟! أجَهِلْتَ أنَّ الحق الذي عليك هو حقك من مالك عند حلول ارتحالك، فيا أبخل البخلاء؛ لأنك بخلتَ على نفسك بما يُؤنسُك من وحشة هول المطَّلع عند حلول رمسك؛ بماذا تعتذر إلى ربك، وتتنصَّلُ من عظيم ذنبك؟!.
(١) أي ضَعَّفَ ولم يبالغ ولم يجزم فيه، وهو الإتيان بلفظة (لَعَلَّه).