الحديث الثالث عشر
  يَا أَيُّهَا النَّاسُ؛ هَلُمُّوا إلى رَبِّكِمْ، إنَّ مَا قَلَّ وَكَفَى خَيْرٌ مِمَّا كَثُرَ وَأَلْهَى، وَلَا غَابَتْ شَمْسٌ إلَّا وُكِّلَ بِجَنَبتَيْهَا مَلَكَانِ يُنَادِيَانِ نِداءً: اللَّهُمَّ اعْطِ مُنْفِقاً خَلَفاً، وَاعْطِ مُمْسِكاً تَلَفاً» وأنزل الله ø قرآناً في قول الملكين: يا أيها الناس هلموا إلى ربكم، في سورة يونس: {وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ٢٥}[يونس] وأنزل في قولهما: وأعط منفقاً خلفاً، وممسكاً تلفاً: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى ١ وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى ٢} إلى قوله تعالى: {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى ١٠}[الليل] وتقديمُ الخير هو الشفيق المناصح، وهو العمل الصالح؛ لأنَّه أشدُّ الْخِلَّانِ مواساةً لخليله، وأشفاهم في الآخرة لغليله، وقد روينا عن رسول الله ÷ أنه قال: «لِلْإِنْسَانِ أَخِلَّاءٌ ثَلَاثَةٌ: فَأمَّا خَلِيلٌ فَيَقُولُ: مَا أَنْفَقْتَ فَلَكَ، وَمَا خَلَّفْتَ فَلَيْسَ لَكَ، فَذَلِكَ مَالُهُ، وَأمَّا خَلِيلٌ فَيَقُولُ: أنا مَعَكَ، فَإِذَا أَتَيْتَ بَابَ الْمَلِكِ تَرَكْتُكَ وَرَجَعْتُ، فَذَلِكَ أَهْلُهُ وَحَشَمُهُ، وَأمَّا خَلِيلٌ فَيَقُولَ: أَنا مَعَكَ حَيْثُ دَخَلْتَ وَحَيْثُ خَرَجْتَ، فَذَاكَ عَمَلُهُ، وَيَقُولُ: وَإِنْ كُنْتُ لَأَهْوَنُ الثَّلَاثَةِ عَلَيْكَ».
  وأمَّا الصدقُ فهو مفتاح الجنة وحِلْيَةُ اللِّسان، وزَيْنُ الإنسان، وتُرْجُمان الشرف، وعنوان الكرم، وكنز السُّؤْدَد(١)، وكَبْتُ الحُسَّد، وبالصدق يُوَقَّرُ الصغير، وبالكذب يُحَقَّرُ الكبير، وقد روينا عن رسول الله ÷ أنه قال: «عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ فَإنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ، وَإنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إلى الْجَنَّة، وَإنَّ الرَّجُلَ لَيَصْدِقُ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ صِدِّيقاً، وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِب، فَإنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إلى الْفُجُورِ، وَإنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إلَى النَّارِ، وَإنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ الله كَذَّاباً» وروينا عن رسول الله ÷ أنه قال: «تَقَبَّلُوا لي بِسِتٍ أَتَقَبَّلُ لَكُمُ الْجنَّةَ، قَالُوا: وَمَا هِي؟ قَالَ: إذَا حَدَّثَ أَحَدُكُمْ فَلَا يَكْذِبْ، وَإذا وَعَدَ فَلَا يُخْلِفْ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ فَلَا يَخُنْ، غُضُّوا أَبْصَارَكُمْ، وَكُفُّوا أَيْدِيَكُمْ، وَاحْفَظُوا فُرُوجَكُمْ».
(١) السُّودَدُ: الشَّرَفُ، مَعْرُوفٌ، وَقَدْ يُهْمَز وتُضَمُّ الدَّالُ، طَائِيَّةٌ. (اللسان: ٣/ ٢٢٨) وكبَتَهُ، يَكْبِتُهُ: صَرَعَهُ، وأخْزاهُ، وصَرَفَهُ، وكَسَرَهُ، ورَدَّ العَدُوَّ بِغَيْظِهِ، وأَذَلَّهُ. (القاموس المحيط: ١٥٨).