حديقة الحكمة النبوية في تفسير الأربعين السيلقية،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

الحديث الثالث عشر

صفحة 163 - الجزء 1

  قوله #: وَمَلَكَ دَوَاعِيَ شَهْوَتِهِ وَلَمْ تَمْلِكْهُ، وَعَصَى أَمْرَ نَفْسِهِ فَلَمْ تُهْلِكْهُ.

  الْمِلْكُ هو التصرفُ في الأمر تصرُّفاً عامّاً، هذا في الأصل، ومنه قيل في العجين مملوك للذي أجيد عجنه؛ لأنَّه يتصرَّف فيه تصرُّفاً بليغاً، ومملوك الرِّقِ أُخِذَ من ذلك. ودواعي الشهوة هي المؤديات إليها، وأصلُ أكثرها النظرُ وتوابعُه من الفِكَر المؤدية إلى الملاذ الموقعة في العذاب الدائم. والشهوةُ عَرَضٌ يُثمِرُ اللَّذَّةَ عند إدراك المشتهى بها. والمعصيةُ نقيضُ الطاعة. والأنفسُ الأمارةُ بالسوء يجب عصيانها. والهلاكُ نقيضُ السلامة.

  المَعْنَى فِي ذَلكَ: أنَّ من ملك دواعي شهوته وعصى أمر نفسه فلم يُمَلِّك الشهوةَ زمَامَه، ولم يجعل النفسَ إمامه؛ سَلِمَ من الهلاك، وخَلُصَ من الارتباك، ومن مَلَّكَ دواعي شهوته قيادَه، وأتْبَعَ أمْرَ النفسِ سوَادَه؛ خَبَطَ كِفَّةَ الحابل⁣(⁣١) فوقع في الشغل الشاغل.


(١) كِفَّةُ الحابِلِ (بالكسر): حِبالَةُ الصَّائد. (انظر لسان العرب ٩/ ٣٠٤).