[الرياء]
  وقد روينا عن النبي ÷ في ذلك آثاراً كثيرة لا يتسع كتابنا هذا لذكرها، وإنما نذكر طرفاً منها كافياً، من ذلك ما روينا عن أبي سلمة عن أبيه قال: قال رسول الله ÷: «ثَلَاثٌ أُقْسِمُ عَلَيْهِنَّ: مَا نَقَصَ مَالٌ قَطْ مِنْ صَدَقَةٍ؛ فَتَصَدَّقُوا، وَلَا عَفَا رَجُلٌ عَنْ مَظْلِمَةٍ ظُلِمَها إلَّا زَادَهُ اللهُ بِهَا عِزّاً، فَاعْفُوا يَزِدْكُمُ اللهُ عِزّاً، وَلَا فَتَحَ رَجُلٌ عَلَى نَفْسِهِ بَابَ مَسْأَلَةٍ إلَّا فَتَحَ اللهُ عَلَيْهِ بَابَ فَقْرٍ؛ لِأنَّ الْعِفَّةَ خَيْرٌ».
  فالنهي عن ترك العفو نهي كراهة، والنهي عن ظلم الظالم نهي حظر.
[الرياء]
  وأما الرياء فهو محظورٌ من كلِّ وجه، وقد ورد الوعيد من الله تعالى في كتابه الكريم للمرائين في مواضع، من ذلك قوله تعالى: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ ٤ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ ٥ الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ ٦ وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ ٧}[الماعون] الويلُ: هو الخَطْبُ العظيمُ الذي يقع عنده الصياح والصراخ، وقد يتبع بالألِيل ومعناه: الأنين، وذلك لا يكون إلا فيما لا بعده في العِظَمِ، وقد قال راجز(١) الخوارج في بعض حروبهم، وهو رجل من مراد، وسقط رمحه بين الخيلين، فقام عليه بالسيف، وهو يقاتل هو وأصحابه عنه إلى أنْ دَهَمَ الطائفتين الليلُ فقال:
  اللَّيلُ لَيْلٌ فيه وَيْلٌ وَيْلُ ... وسَالَ بالْقَوْمِ الشُّرَاةِ(٢) السَّيْلُ
  إنْ جَازَ لِلْأَعْدَاءِ فِينَا قَوْلُ
  وقيل هو وادٍ من أودية جهنم نعوذ بالله تعالى منها، والمصلون هاهنا هم المراؤون لأنهم يسهون عنها بمعنى يتركونها جملةً؛ إذا لم يقع أحد يراؤونه، فأمَّا السهو فيها فليس من هذا في شيء، وقد سهى رسول الله ÷ في صلاته، والمراؤون قد قدمنا الكلامَ فيهم، وهم فرقة تلحق بالمنافقين، ومنعُ الماعون من أخلاقهم لأنهم لو رغبوا في الخير لقصدوا بأعمالهم وجه الله
(١) في الأصل: وقد قال بعض الخوارج ... الخ.
(٢) الشُّرَاةُ: هو اسم للخوارج كانوا يسمون أنفسهم به.