[الرياء]
  وقد روينا عن النبي ÷ أنه قال: «إنَّ مِنْ أَوْجَبِ الْمَغْفِرَةِ إِدْخَالُكَ السُّرُورَ عَلَى أَخِيكَ الْمُسْلِمِ» وروينا عن أبي عبد الله جعفر(١) بن محمد @ عن النبي ÷: «مَا مِنْ مُؤْمِنٍ أَتَاهُ أَخُوهُ الْمُؤْمِنُ فَسَأَلَهُ حَاجَةً هُوَ يَقْدِرُ عَلى قَضَائِهَا وَيَرُدُّهُ عَنْهَا؛ إلَّا قَالَ اللهُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: أَتَاكَ عَبْدِيَ الْمُؤْمِنُ في دَارِ الدُّنْيَا يَسْأَلُكَ حَاجَةً قَدْ مَلَّكْتُكَ قَضَاءَهَا فَرَدَدْتَهُ عَنْهَا، لَا قَضَيْتُ لَكَ الْيَومَ حَاجَةً، مَغْفُوراً كَانَ أَوْ مُعَذَّباً» وهذا خبرٌ كما ترى يُؤْلم القلبَ الحي، ويمنع من الرَّدِّ واللَّي، ولا يفزع له إلَّا من نوَّر الله قلبه بنور الهدى، ونزع عنه حب الدنيا، ومعنى لا يقضي الله له حاجة معناه: أن لا يزيد له على المستحق شيئاً مما يزيده لسائر المؤمنين؛ وإن كان مغفوراً له، فأمَّا الْمُعَذَّبُ فالأمر فيه ظاهرٌ، وإنما ذكر ذلك في المغفور له؛ لأنَّ منعَ الموجود ليس من أخلاق المتبتِّلين(٢)، قال الله تعالى: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ٩}[الحشر] وهذا في غير الواجب، ولأنَّ المعلومَ من حال الأبرار الاهتمامُ بأمر المسلمين، وقضاء حوائجهم، ومتاجرة الرَّبِّ سبحانه بالإحسان إليهم، ونِعْمَ الْمُتَاجَرُ سبحانه، ما أكثر إحسانه، وأعمَّ غفرانه، وقد روينا عن النبي ÷ أنه قال: «ارْحَمُوا
(١) الإمام أبو عبد الله جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين السبط بن علي بن أبي طالب $، أحد الأئمة الأعلام، أشهر من نار على علم، مناقبه وفضائله كثيرة، فهو إمام علم مشهور بين الخاص والعام، حاول المنصور الدوانيقي قتله مراراً فحماه الله، واستمر بنشر علم آل الرسول وتنوير العقول، وتنتسب إليه الجعفرية، وما أبعدها عن ذلك، فإنَّ من نظر في مروياتهم وأحاديثهم عنه عرف بديهة أنها مكذوبة عليه، وأنه منزّه عن نسبتها إليه سلام الله عليه، والرواية عنه كثيرة، وقد تجنب البخاري الرواية عنه وعن سادات آل محمد كما ذكره الإمام الحجة/ مجدالدين بن محمد المؤيدي # في اللوامع (١/ ٣٤٣)، توفي سنة ١٤٨ هـ وعمره ثمان وستون سنة، ودفن في البقيع جوار أبيه وجده.
(٢) التَّبَتُّلُ: الِانْقِطَاعُ عَنِ الدُّنْيَا إِلَى اللَّهِ ..، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا ٨} (مختار الصحاح: ٢٩) قال في النهاية: وَسُمِّيَتْ فاطمةُ البَتُولَ لِانْقِطَاعِهَا عَنْ نِسَاءِ زَمَانِهَا فضْلًا ودِيناً وحَسَباً. وَقِيلَ لِانْقِطَاعِهَا عَنِ الدُّنيَا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى. (النهاية في غريب الحديث والأثر ١/ ٩٤).