الحديث العشرون
  وإنِّي لَمُرْتادٌ جَواداً فقاذفٌ ... بِهِ وَبِنَفْسِي العَام إحْدى الْمَقاذِفِ
  مَخَافَةَ دُنْيَا رَثَّةٍ أنْ تُميلني ... كَمَا مالَ فِيها الْهَالِكُ المتجانِفِ
  فَيَاربِّ إنْ حَانَتْ وَفاتي فلا تَكُنْ ... عَلَى شَرْجَعٍ(١) يُعلَى بخُضرِ المطارِفِ
  وَلكنْ أحِنْ يَوْمِي شَهِيداً بِعُصْبةٍ ... يُصابونَ في فجّ مِنَ الْأرْضِ خائِفِ
  إذا فارَقُوا دُنْياهُمُ فارَقُوا الأذَى ... وَصارُوا إلى مَوْعُودِ ما في الْمَصاحِف
  قوله #: كَانُوا أَكْثَرَ مِنْكُمْ بَسْطَةً وَأَعْظَمَ سَطْوَةً.
  الأكثر: نقيض الأقل. والبسطة: هي الفضل والسعة، وهي مأخوذة من البسط الذي هو نقيض القبض، ومنه سمي البساط بساطاً لانبساطه على وجه الأرض، وسميت الأرض بساطاً لأجل الانبساط الذي يتمكن لأجله من التصرف. والخطاب للحاضر في قوله: مِنْكُمْ، وهم المعاصرون للنبي ÷، وقد نقص حالنا من حالهم نقصاناً كثيراً. والعِظَمُ: نقيض القِلَّة والصغر. والسطوة هي الوقعة والبسطة، ولا تكون إلا بالمكروه، يقول قائلهم: سطا عليه إذا وقع به.
  المَعْنَى فِي ذَلكَ: أنه ÷ نبَّهنا على الاعتبار بحال الذين كانوا قبلنا، وأنهم كانوا أكثر بسطة في الأموال والجسوم، والممالك والحلوم، وكذلك كانت سطوتهم، فإنها كانت عظيمة هائلة، شديدة طائلة، فإن لم تعرف ذلك بتواتر الأخبار؛ فانظر إلى المشاهد من عجيب الآثار، وهذا مع أن الآثار متواترة، والمآثر ظاهرة، كغمدان وسِلْحِين وظفار، ومدائن الجوف الكبار، وهرمي مصر وتدمر، وكم نعدُّ ونذكر، كإيوان كسرى، ومَجْدَل نمرود بن هاش [بن كوش] بن كنعان، فإنك إذا شاهدت ما ذكرنا أو علمت صفته بالنقل الموصل إلى العلم؛ وقعت على عبرة المعتبر، وزاجرة المزدجر، وكذلك في سطواتهم الهائلة، وأيامهم الطائلة، كيوم حليمة(٢)، وما جانسه
(١) الشَّرْجَعُ: النعْشُ الذي يُحْمَلُ عليه الميّت، تمت، هامش (أ) (انظر القاموس المحيط ٧٣٢).
والْمَطَارِفُ: جَمْعُ مُطْرَفٍ كمُكْرَمٍ: رِداءٌ من خَزٍّ مُرَبَّعٌ ذو أعْلامٍ. (القاموس المحيط: ٨٣٢).
(٢) هي وقعة مشهورة كانت بين المنذر بن ماء السماء والحارث الغساني، وإنما سمي ذلك اليوم بيوم حليمة لأن حليمة - وهي بنت الحارث الغساني - خرجت بمراكن الطيب وجعلت تلطخ به المقاتلة من العسكر حتى صعد العجاج إلى السماء وغطى الشمس ورؤيت الكواكب بالنهار، وقد ذكر ذلك اليوم النابغة الذبياني حيث قال:
=