الحديث الأربعون
  بَيَّتَ فلانٌ أمْرَه، إذا فعله ليلاً وأحكمه وأبرمه، وفي القرآن الكريم: {إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ}[النساء: ١٠٨] أي أداروا ذلك بينهم ليلاً، وأنشد أبو عبيدة(١):
  أتَوْني فَلَمْ أَرْضَ ما بَيّتُوا ... وَكَانُوا أتَوْني بِأَمْرٍ نُكُرْ
  وفي الحديث: «اسْتَبِيتُوا الرَّأْيَ» يقول دعوا رأيكم تأتي عليه ليلة ثم تعقّبوه بالنظر، وقال تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ بَيَاتًا}[يونس: ٥٠] أي ليلاً.
  وملَكُ الموت رسول الله سبحانه من غير البشر إلى عباده بالموت الذي هو ضد الحياة، وسُمي ملَكاً من الرسالة وهي الألوكة والمألُكة، منه قولهم ألِكْنِي، معناه: أرسلني، قال الشاعر وهو مَصْقَلَةُ بنُ هُبَيْرَةَ(٢)، وهو ممن يُوثَق بلسانه:
  ألِكْني إلى أهْلِ الْعِراقِ رِسَالَةً ... وَخُصَّ بِها أحْياءَ بَكْرِ بنِ وَائِلِ
  وعُمَّ بِها عَلْيَا رَبِيعَةَ إنَّني ... تَرَكْتُ عَلِيّاً خَيْرَ حَافٍ وَناعِل
  وأضاف الملَكَ إلى الموت لأنه عَمَلُه، والكلام في الإضافات يكثر وهو ظاهر. والوقوف نقيض المسير، قال امْرُؤ القيس:
  قِفا نَبْكِ مِنْ ذِكْرَى حَبِيبٍ وَمَنْزِلِ ... بِسِقْطِ اللِّوَى بَيْنَ الدُّخُولِ فَحَوْمَل
(١) أنشده أبو عبيدة مَعْمَرُ بنُ الْمُثَنَّى في كتابه مجاز القرآن متمثلاً به، وكان الإمام عبد الله حمزة # يكثر النقل عن أبي عبيدة هذا، وذكر أنه مقدم في علم العربية غير مطعون عليه في معرفتها، قال في حاشية كتاب الشافي ط ٢ (ج ١/ ٣١٨ - ٣١٩) ما لفظه: معمر بن المثنى، قال الجاحظ: لم يكن في الأرض خارجي ولا جماعي أعلم بجميع العلوم منه. وقال ابن قتيبة: وكان مع معرفته ربما يكسر البيت إذا أنشده، وكان يخطئ إذا قرأ القرآن نظراً، وكان يبغض العرب، وألّف في مثالبها، وكان يرى رأي الخوارج، توفي سنة ٢٠٩ هـ، وولد سنة ١١٠ هـ. انتهى من حاشية شمني على المغني ... وله كتاب التاج في علم اللغة. تمت من الإمام الحجة/ مجد الدين بن محمد بن منصور المؤيدي #. ا. هـ.
(٢) مَصْقَلَةُ بنُ هُبَيْرَةَ بنِ شِبْلٍ الثَّعْلَبِي الشَّيْبانَيّ، مِنْ بَكْرِ بْنِ وائل، أقامه عليّ # عاملًا له على أَرْدَشِير خُرَّة من كُورِ الأهواز، ثم هرب إلى معاوية في قصة ذكرها المسعودي في مروج الذهب (٢/ ٤٠٨) وابن أبي الحديد في شرح النهج (٣/ ١٢٧).