حديقة الحكمة النبوية في تفسير الأربعين السيلقية،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[اللسان]

صفحة 124 - الجزء 1

  أتى إلى داود ~ وكان معاصراً له، وداوود ~ يعمل دِرْعاً أول درع رُئِيَتْ في الدنيا، فلم يدر لقمانُ # ما هي وما المراد منها؟! فجعل يُراوِدُ نفسَه هل يسأل أم يسكت حتى يتبين له الأمر، فملك نفسه، فلما أتَمَّها داوود # لبسها وجال فيها، وقال: نِعْمَ جُنَّةُ الحرب أنتِ، فعلم لقمان عند ذلك أنها أُريدَتْ للحرب بغير سؤال، فقال ما قدمنا، وفي الرواية أن داوود # كان يعالج الحديد أول أمره بالنَّار، وفي ذلك قوله تعالى: {وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ}⁣[سبأ: ١١] قيل معناه: لا تُدِقَّ المسمار فيَقْلِق، ولا تُغْلِظْه فيفْصِم⁣(⁣١) والله أعلم، ثم أُلِينَ له الحديدُ بعد ذلك، فكان يعمل الدرع في يوم واحد، يَفْتِلُهُ بأصبعه فتلاً كيفما أراد بقدرة الله تعالى؛ معجزةً له ~.

[اللسان]

  قوله #: إِنَّ اللِّسَانَ أَمْلَكُ شَيْءٍ لِلْإِنْسَانِ.

  اللسان هو العضو الذي جعله الله تعالى آلةً للكلام، ولُغَةُ كلِّ قومٍ لسانُهم، وقد يُسمُّون الرسالةَ لساناً، قال أعشى باهلة⁣(⁣٢):

  إِني أَتَتْني لِسانٌ لَا أُسَرُّ بها ... مِنْ عَلْوَ لَا كَذِبٌ فيها ولَا سَخَرُ

  فعنى باللسان هاهنا الرسالة.

  والأمْلَكُ هو الأغلب والأولى، ولا شك أنه أملَكُ أعضاء ابن آدم له؛ لأنَّ به المحاورات


(١) بقافين، قال في الضياء قَلِقَ إذا لم يستقر، تمت، هامش (أ)، قال في لسان العرب (١٠/ ٣٢٤): القَلَقُ: أَنْ لَا يَسْتَقِرّ فِي مَكَانٍ وَاحِدٍ، وَقَدْ أقلَقَهُ فقَلِقَ. وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ: (أقلِقُوا السُّيُوفَ فِي الْغِمْدِ) أَيْ حَرِّكُوها فِي أَغْمَادِهَا قَبْلَ أَنْ تَحْتَاجُوا إِلَى سَلّها لِيَسْهُلَ عِنْدَ الْحَاجَةِ إِلَيْهَا، ا. هـ.

والفَصْم: الْكَسْرُ مِنْ غَيْرِ بَيْنُونَةٍ، فَصَمه يَفْصِمُه فَصْماً فانْفَصَم: كَسَرَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَبِينَ، (لسان ١٢/ ٤٥٣).

(٢) أعشى باهلة: هو عامر بن الحارث بن رياح الباهلي، من همدان: شاعر جاهلي. يكنى (أبا قحفان) أشهر شعره رائيةً له في رثاء أخيه لأمه (المنتشر بن وهب) أوردها البغدادي برمتها، وهذا البيت هو مطلعها، وهذا البيت من الشواهد النحوية، والشاهد في قوله: (مِنْ عَلْو) فتروى بالضم والفتح والكسر (انظر الأعلام).

والدليل على أنه عنى به الرسالة هو تأنيثه للفعل: (أتتني).