حديقة الحكمة النبوية في تفسير الأربعين السيلقية،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

الحديث الثالث عشر

صفحة 154 - الجزء 1

الحديث الثالث عشر

  عَنْ⁣(⁣١) أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، وقد تقدم الكلام في ذكر نسبه وصفته، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ÷ يَقُولُ فِي بَعْضِ خُطَبِهِ أَوْ مَوَاعِظِهِ: «أَمَا رَأَيْتَ⁣(⁣٢) الْمَأْخُوذِينَ عَلَى الغِرَّةِ، وَالْمُزْعَجِينَ بَعْدَ الطُّمَأْنِينَةِ، الَّذِينَ أَقَامُوا عَلَى الشُّبُهَاتِ، وَجَنَحُوا إِلَى الشَّهَوَاتِ، حَتَّى أَتَتْهُمْ رُسُلُ رَبِّهِمْ، فَلَا مَا كَانُوا أَمَّلُوا أَدْرَكُوا، وَلَا إِلَى مَا فَاتَهُمْ رَجَعُوا، قَدِمُوا عَلَى مَا عَمِلُوا، وَنَدِمُوا عَلَى مَا خَلَّفُوا، وَلَنْ يُغْنِي النَّدَمُ وَقدْ جَفَّ الْقَلَمُ، فَرَحِمَ اللهُ امْرَأً قَدَّمَ خَيْراً، وَأَنْفَقَ قَصْداً، وَقَالَ صِدْقاً، وَمَلَكَ دَوَاعِيَ شَهْوَتِهِ وَلَمْ تَمْلِكْهُ، وَعَصَى أَمْرَ نَفْسِهِ فَلَمْ تُهْلِكْهُ».

  قد تقدَّمَ الكلامُ في معنى الخُطبة، ولا بُدَّ من التحميد في أوَّلها. والموعظةُ: هي التذكير بآلاء الله تعالى وبلائه، والتخويف من عقابه، والترغيب في عطائه وثوابه.

  قوله #: أَمَا رَأَيْتَ الْمَأْخُوذِينَ عَلَى الْغِرَّةِ.

  الرُّؤْية معروفة وهي تكون بمعنى العِلْم، وأصلها المشاهدة. والمأخوذ: هو المبطوش به. والْغِرَّةُ أن يبغتَ الإنسانَ الأمرُ وهو على غير أُهْبَةٍ ولا استعداد، يقال جاءهم الأمرُ فجأةً على غِرَّة، ومن ذلك حديث بني المصطلق، وأنَّ النبي ÷ غزاهم وهم غارُّون، فواقعهم على الماء فاجتاح الأموال، وسبى الذرية، واصطفى جُويرية في قصة طويلة⁣(⁣٣)، فعُلِّقَ بهذا الخبر من الحُكْمِ جوازُ الغارة والغزو من دون تجديد الدعوة إذا كانت قد بلغت.


(١) قال السيد الشريف: وحدثنا أبو العباس المعمري قال حدثنا أبو خليفة الفضل بن حباب قال حدثنا سليمان بن حرب قال حدثنا جرير بن خازم قال حدثنا قتادة عن أنس بن مالك ... الحديث.

(٢) في النسخة (أ) ونسخة أخرى: أما رأيتم.

(٣) أم المؤمنين جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار سيد بني المصطلق، تزوجها رسول الله ÷ بعد أن سبيت في غزوة بني المصطلق، حيث وقعت في سبي ثابت بن قيس بن شماس فكاتبها، وجاءت تستعين رسول الله ÷ في كتابتها، فقال لها: «أَوَخَيْرٌ مِنْ ذَلِكَ؛ أُؤَدِّي عَنْكِ وَأَتَزَوَّجُكِ»، قالت: نعم، فأدى عنها كتابتها وتزوجها، وخرج الخبر بذلك إلى المسلمين فأطلقوا ما كان بأيديهم من السبي، وقالوا: أصهار رسول الله ÷، توفيت في سنة ٥٦ هـ.