حديقة الحكمة النبوية في تفسير الأربعين السيلقية،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[العلم وما ورد فيه]

صفحة 166 - الجزء 1

  وكذلك لَمَّا كُنَّا إذا منعناها أهلها المستحقين لها لقبولهم للوازمها، وتسليمهم لأحكامها، وانتفاعهم بها، ونفعهم لغيرهم من المسترشدين بغرائب فوائدها؛ كنا قد أنزلنا بهم ضرراً عظيماً - بفقدها وحجابة وجهها - لا يستحقونه، ولا لهم فيه نفع موفٍ، ولا دفع ضرر زائدٍ؛ كُنَّا قد ظلمناهم لذلك ظُلماً عظيماً، وارتكبنا في أمرهم حُوباً جسيماً، وكيف لا يكون كذلك وهم وصيَّةُ رسول الله ÷.

  وفي ذلك ما روينا عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله ÷ أنه قال: «سَيَأْتِيكُمْ أَقْوَامٌ يَطْلُبُونَ الْعِلْمَ فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمْ فَقُولُوا مَرْحَباً بِوَصِيَّةِ رَسُولِ اللهِ ÷، وَافْتُوهُمْ»، قُلْتُ لِلْحَكَمِ: وَمَا أُفْتُوهُمْ؟ قَالَ: عَلِّمُوهُمْ.

[العلم وما ورد فيه]

  ووصيةُ رسول الله ÷ هم الطالبون للعلم، الراغبون فيه، العاملون به، فأمَّا من خالف هذه الصفة فالآثار منه # توجبُ منعَهم والإبعادَ لهم، وقد روينا عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله ÷: «طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ وواضعُ العلم عند غير أهله كمُقَلِّد الخنازيرِ الجوهرَ واللؤلؤَ والذهبَ»، ولا شك في قبح ما هذا حاله، فنبَّهَ # على قبح وضع الحكمة في غير أهلها.

  وقد قال أمير المؤمنين # لكميل بن زياد: (يَا كُمَيْلُ بْنُ زِيَاد؛ إِنَّ هَذِهِ الْقُلُوبَ أَوْعِيَةٌ وَخَيْرُهَا أَوْعَاهَا، احْفَظْ عَنِّي مَا أَقُولُ لَكَ، النَّاسُ ثَلَاثَةٌ فَعَالِمٌ رَبَّانِيٌّ، وَمُتَعَلِّمٌ عَلَى سَبِيلِ النَّجَاةِ، وَهَمَجٌ رَعَاعٌ أَتْبَاعُ كُلِّ نَاعِقٍ، لَمْ يَسْتَضِيئُوا بِنُورِ الْعِلْمِ وَلَمْ يَلْجَأُوا إِلَى رُكْنٍ وَثِيقٍ، يَا كُمَيْلُ بنُ زِيَاد؛ الْعِلْمُ خَيْرٌ مِنَ الْمَالِ، الْعِلْمُ يَحْرُسُكَ وَالْمَالُ تَحْرُسُه، وَالْمَالُ تَنْقُصُهُ النَّفَقَةُ وَالْعِلْمُ يَزْكُو عَلَى الْإِنْفَاقِ [وَصَنِيعُ الْمَالِ يَزُولُ بِزَوَالِهِ، يَا كُمَيْلُ بْنُ زِيَادٍ، مَعْرِفَةُ الْعِلْمِ دِينٌ يُدَانُ بِهِ، بِهِ يَكْسِبُ الْإِنْسَانُ الطَّاعَةَ فِي حَيَاتِهِ، وَجَمِيلَ الْأُحْدُوثَةِ بَعْدَ وَفَاتِهِ] وَالْعِلْمُ حَاكِمٌ وَالْمَالُ مَحْكُومٌ عَلَيْهِ، مَاتَ خُزَّانُ الْمَالِ [وَهُمْ أَحْيَاءٌ] وَالْعُلَمَاءُ بَاقُونَ مَا بَقِيَ الدَّهْرُ، أَعْيَانُهُمْ مَفْقُودَةٌ، وَأَمْثَالُهُمْ فِي الْقُلُوبِ مَوْجُودَةٌ، هَا إِنَّ هَاهُنَا عِلْماً جَمّاً - وَأَوْمَى بِيَدِهِ إِلَى صَدْرِهِ - لَوْ أَصَبْتُ لَهُ حَمَلَةً؛ بَلَى أَصَبْتُ لَقِناً غَيْرَ