[الصمت وحسن الخلق]
  المضاف(١) وإقامة المضاف إليه مقامه، وذلك شائعٌ في اللسان، وهو # من أعلم أهله بوجوهه، وقد سوغت الحكمة له ذلك، وقد قال تعالى: {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ}[النساء: ٨٣] فسَّرَه علماء آل محمد عليه وعليهم أفضل السلام بأنهم المرجوع إليهم في هذه الآية، وأنهم المستنبطون في هذه الآية، والراسخون في العلم في آية الراسخين.
  قوله #: أَيُّهَا النَّاسُ؛ أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَمْرَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ مُؤْنَتُهُمَا، عَظِيمٌ أَجْرُهُمَا، لَمْ يُلْقَ اللهُ بِمِثْلِهِمَا: الصَّمْتُ وَحُسْنُ الْخُلُقِ.
[الصمت وحسن الخلق]
  الإنباء والإخبار والإعلام ألفاظٌ مختلفةٌ ومعناها واحدٌ، وهو تعريف الغير بحقيقة الأمر، والأمران هما ما ذكر آخِراً #. والخفيفتين: نقيض الثقيلتين، وأنث بعد التذكير، وذلك جائز فيما ليس بحقيقي، ولأنهما يؤوَّلان في التحقيق إلى حالتي الصمت وتحسين الخلق. والصمتُ هو الإمساك عن الكلام جملة، والمراد به هاهنا الإمساك عن الكلام فيما لا يعني، إذ لا يُحْمَدُ الصمتُ إلَّا على هذه الحال. وحسنُ الخلق: لِينُ الأعطاف وبذل الإنصاف، وهو من المقرِّبات إلى الله تعالى، وهو من الألطاف في باب الدين، وقد قال تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ}[آل عمران: ١٥٩] وقال تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ٤}[القلم] وقد يكون الخلق في لسان العرب الحسب في غير هذا الموضع.
  المَعْنَى فِي ذَلكَ: أنَّه # نبَّهَنا - إذ هو مُعلِّمُ الخير ومُرشِدُ الضُّلَّال - على أمرٍ خفيفِ المؤنة عظيمِ الأجرِ، وهو # الصادق الْمَقَال، مأمون العيب فيما قال، فلا يُضَيِّعُ العملَ بمقتضى قوله إلَّا كلُّ محروم؛ إذ المعلوم عند أهل العقول أنَّ ما عَظُمَ فيه الأجرُ حَسُنَ فِعْلُه وإن ثَقُل محمله وصَعُب عمله، وقد تقدَّم في تفصيل الصمت صدرٌ من الكلام، ويكفيك في معرفة
(١) في الأصل: مضاف، بدون (ال) التعريف.