[في وصف يوم الهول الأكبر]
[في وصف يوم الهول الأكبر]
  والخوف نقيض الأمن. والحزن نقيض السرور، فسؤال السائل له # وقع عن الذين لا يخافون وإن خاف الناس، ولا يحزنون وإن حزنوا، وهذا إنما يتحقق ويكون يوم الخوف الأكبر والحزن الأعظم، وتكون الشمس مكورة، والسماء مفطَّرة، يوم تذهل كلُّ مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها، وترى الناس سكارى من الخوف وما هم بسكارى من الخمر، ولكنَّ عذاب الله شديد الذي أعدَّ لأعدائه وأي شديد أشد منه؟ وصفته دون عَيانه، وكل ذي لسان لا يتمكن من بيانه، إنما هو وبال وبلبال، ونَكَالٌ وأَنْكَالٌ(١)، وحميم وأغلال، وسعير وإشعال، ووعيد وزلزال، إلى غير نهاية ولا غاية، فهذا ما يمكن من صفته على وجه الإجمال، فأما في هذه الدنيا فأي خوف أعظم من خوف أوليائه؛ أو حزن أشد من حزن أصفيائه؛ وهم خائفون له في واجبات حقوقه وملتبسات محظوراته، فكأنَّ صرير النار في مسامعهم، وكأنَّ حميم الجحيم قد ألجمهم وصُبَّ من فوق رؤوسهم، وكأنَّ الزبانية يزجرونهم من خلفهم، فأي خوف أعظم من خوفهم، هذا مع إخافة أعدائه سبحانه لهم فيه، وفَرَط تعصبهم عليهم بالعداوة والبغضاء؛ لانقطاعهم إلى خالقهم، وهم يخافون اخترام أعدائهم لهم ولم يَخْلُصوا من عهدة ما لزمهم لربهم، فلا ينزع عنهم هذا الخوفَ والحزنَ إلا لقاؤه ø. فحينئذٍ يحصدون ثمرة الخوف أمناً كافياً، وثمرة الحزن سروراً صافياً، فكأنهم ما خافوا وما حزنوا، كذلك يُجزى الشاكرون الصابرون.
  فقال # مجيباً للسائل الذي سأل عن أولياء الله: الَّذِينَ نَظَرُوا إِلَى بَاطِنِ الدُّنْيَا حِينَ نَظَرَ النَّاسُ إِلَى ظَاهِرِهَا.
  النظر: له معانٍ كثيرة، والمراد به هاهنا نظر الفكر بعين البصيرة، لا نظر المشاهدة بتقليب الحدقة السليمة نحو المرئي التماساً لرؤيته، لأن ذلك يستحيل أن يتعلق به ثواب والحال هذه(٢). وباطن الدنيا: هو معناها ومآلها، ومعناها العناء، ومآلها الفناء، والباطن نقيض الظاهر، وسُمِّي
(١) النَّكَالُ: ما نَكَّلْتَ به غيرَكَ، أي صَنَعْتَ به صَنيعاً تُحَذِّرُ غيرَهُ، والْأَنْكَالُ: هي القُيُودُ الشَّدِيدَة، ومفردها: نِكْلٌ، بكسر النون، (انظر القاموس المحيط ص: ١٠٦٥).
(٢) في هامش (أ): قال قائلهم: انْظُرْ بِفِكْرِكَ تَسْتَبِينَ الْمَنْهَجا ... واعْلَمْ بِأَنَّ الْفِكْرَ هُو سَبَبُ النَّجَا