حديقة الحكمة النبوية في تفسير الأربعين السيلقية،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

الحديث الثاني والعشرون

صفحة 264 - الجزء 1

الحديث الثاني والعشرون

  عَنِ⁣(⁣١) ابْنِ عَبَّاسٍ، وقد تقدم الكلام في نسبه وطرَفٍ مِنْ شَرْح حاله، وهو نسيج وحده، وشِحَاكُ⁣(⁣٢) ضده، كم له من مقامٍ أفحم فيه القائلين، وموقفٍ شفى فيه السائلين، وبعد فهو ابنُ عم رسول الله ÷، وناشرُ علمه، والذي اجتمعت الأمة على اختلافها على حبه. قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ÷ يَقُولُ فِي بَعْضِ خُطَبِهِ أَوْ مَوَاعِظِهِ: «أَيُّهَا النَّاسُ؛ لَا تَشْغَلَنَّكُمْ دُنْيَاكُمْ عَنْ آخِرَتِكُمْ، وَلَا تُؤْثِرُوا أَهَوَاءَكُمْ عَلَى طَاعَةِ رَبِّكُمْ، وَلَا تَجْعَلُوا إِيمَانَكُمْ ذَرِيعَةً إِلَى مَعَاصِيكُمْ، وَحَاسِبُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُحَاسَبُوا، وَمَهِّدُوا لَهَا قَبْلَ أَنْ تُعَذَّبُوا، وَتَزَوَّدُوا لِلرَّحِيلِ قَبْلَ أَنْ تُزْعَجُوا، فَإِنَّمَا هُوَ مَوْقِفُ عَدْلٍ، وَاقْتِضَاءُ حَقٍّ، وَسُؤَالٌ عَنْ وَاجِبٍ، وَلَقَدْ أَبْلَغَ فِي الْإِعْذَارِ مَنْ تَقَدَّمَ بِالْإِنْذَارِ».

  قد تقدم الكلام في معنى الخطبة والموعظة، والخطبة أعظم حالاً من الموعظة؛ لأنها في المقامات الكبار، والحفول العظام، وصاحبها ناصبٌ نفسَه للسامعين على شيء عالٍ في أغلب الأحوال من منبر أو سرير، أو ناقة أو بعير.

  والموعظة تكون للواحد والجماعة من أي مكان كان.

  أَيُّهَا النَّاسُ؛ لَا تَشْغَلَنَّكُمْ دُنْيَاكُمْ عَنْ آخِرَتِكُمْ.

  قد تقدم الكلام في معنى هذه الألفاظ لُغةً، أعني الشغل والدنيا والآخرة.

  المَعْنَى فِي ذَلكَ: أنه # خاطب خطاباً عامّاً نافعاً تامّاً، فقال: أَيُّهَا النَّاسُ؛ لَا تَشْغَلَنَّكُمْ دُنْيَاكُمْ - وهي الدار التي أنتم فيها عابرون - عن آخرتكم التي أنتم إليها صائرون، وأضاف الدنيا


(١) قال السيد الشريف: وحدثنا أبو الحسن محمد بن علي الصلحي بواسط قال حدثنا محمد بن زكريا قال حدثنا العباس بن بكار قال حدثنا عيسى بن يزيد حدثنا صالح بن كيسان وموسى بن عقبة جميعا عن كريب عن ابن عباس ... الحديث.

(٢) شَحَكَ الجَدْيَ، كَمَنَعَ: جَعَلَ في فَمِهِ الشِّحاكَ، ككِتاب، وهو عُودٌ يُعْرَضُ في فَمِهِ يَمْنَعُهُ من الرَّضاعِ، قاموس، هامش (أ). (انظر القاموس المحيط: ٩٤٤).