حديقة الحكمة النبوية في تفسير الأربعين السيلقية،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[العلم هو باب النجاة وباب معرفة الحق من الباطل]

صفحة 284 - الجزء 1

  الْمَيْل، ومنه جنب الإنسان شِقُّه. والحق هو الثابت الدائم الصحيح، يقول قائلهم: أحقّاً ما تقول؟ يريد: أصحيح ما تقول. واليقين نقيض الشك. والطلب هو البحث عن الشيء، والارتياد له.

[العلم هو باب النجاة وباب معرفة الحق من الباطل]

  المَعْنَى فِي ذَلكَ: أنه ÷ بيَّن أن مبنى الأمر كله على هذه الوجوه التي يذكرها # من اجتناب الباطل، وطلب الحق، ولا شك في ذلك؛ لأنَّ من اجتنب الباطل فاز بفضيلة الاحتراز من وُرَطِ الهلاك، ونجا من مواقعة الشِّباك، ولكن قد رأيت أنه ÷ أمر أن يكون ذلك عن معرفة في الوجهين كليهما؛ لأنه قال: بَاطِلٌ عُرِفَ فَاجْتُنِبَ، وَحَقٌّ تُيُقِّنَ فُطُلِبَ، فأمر بالمعرفة واليقين في اجتناب الباطل وطلب الحق، وذلك لا يكون إلا بالعلم، لأن المعرفة العلم، واليقين نهايته، فلا تقع النجاة - والحال هذه - ما لم يكن الإنسان عالماً أو متعلماً، فإن كان عالماً تَيقَّن وعرف بعلمه، وإن كان متعلماً فهو يأخذ العلم عمن تسكن إلى معرفته نفسُه، فكأنه عرف وتيقن بواسطةٍ، وإذا كان بغير هذه الصفة لم يمتنع أن يتجنب الحق بجهله، ويظن أنه باطل، ويطلب الباطل بجهله ويظنه حقّاً، فيتَّقي ما تجب مواقعته، ويواقع ما يجب الاحتراز منه، فنعوذ بالله من الجهل.

  ومثال هذا فعل قوم من جهال الشيعة نزهوا الباري بزعمهم عن فعله، وأضافوا إليه فعل عبيده.

  قوله #: وَآخِرَةٌ أَظَلَّ إِقْبَالُهَا فَسُعِيَ لَهَا، وَدُنْيَا أَزِفَ نَفَادُهَا فَأُعْرِضَ عَنْهَا.

  قد تقدم الكلام في معنى الآخرة. والإطلال أخص من الإظلال، أطلَّ إذا أشرف، وأظل إذا سامت الرأسَ من جهة العُلْوِ. والسعي معروف وله نظائر، وقد تقدم الكلام أيضاً في معنى الدنيا. أزِف بمعنى قَرُب، وكذلك أَفِدَ وزَلَفَ ودَنَى. والنفادُ هو النجاح والذهاب. والإعراض نقيض الإقبال.