حديقة الحكمة النبوية في تفسير الأربعين السيلقية،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[استعد للقاء ما قدمته]

صفحة 292 - الجزء 1

  بنفوسنا في هُوَّة هلاك.

  قوله #: فَلَا يُغْنِي عَنْكُمْ هُنَاكَ إِلَّا عَمَلٌ صَالِحٌ قَدَّمْتُمُوهُ، أَوْ حُسْنُ ثَوَابٍ حُزْتُمُوه.

  العمل الصالح قد تقدم الكلام فيه. والتقديم نقيض التأخير. وحسن الثواب جيده. والحَوْز والإحراز واحد.

[استعد للقاء ما قدمته]

  المَعْنَى فِي ذَلكَ: أنَّ الرّاحل إلى ربه، الصائر إلى جوار خالقه؛ لا ينفعه إلا ما قدَّم بين يديه من صالح العمل، إذ الدينار والدرهم في تلك الدار لا تُقْضى بهما الحاجات، فمن قدَّم صالحاً لقيه فوزاً وغنيمة، ومن استجاد ثواباً وحازه فقد حاز سبب الخير كله، فالواجب الاجتهاد في العمل الصالح لينحاز له الثواب النافع.

  قوله #: إِنَّكُمْ إِنَّمَا تَقْدَمُونَ عَلَى مَا قَدَّمْتُمْ، وَتُجَازَوْنَ عَلَى مَا أَسْلَفْتُمْ.

  يقال: قَدِم يَقْدَم إذا ورد ووصل، قال الراجز:

  أقْدِمْ فقَدْ قَدِمْتَ خَيْرَ مَقْدَمِ ... قَدِمْتَ أيَّامَ سُعُودِ الْأَنْجُم

  والتقديم: هو تسبيق الإنسان لما يحتاجه بين يديه. والمجازاة مفاعلة من الجزاء، وهو المكافأة على الفعل. والإسلاف والإسلام معناهما واحد في الأصل، ومعناه أن تعطي الإنسانَ شيئاً ليعيضك عليه⁣(⁣١) في المستقبل، ولا يجوز في الشرع إلا بشروط مخصوصة.

  المَعْنَى فِي ذَلكَ: أن الإنسان لا يقْدَم إلا على ما قدَّم، فإنْ قدّم خيراً لقي خيراً، وإن قدّم شرّاً لقي شرّاً، ولا يُجازى إلا بما أسلف، إنْ أسلف طاعة لقي مغفرة، وإن أسلف معصية لقي عقاباً وتباباً، فإذا كانت الحال هذه كان الواجب على العاقل تقديم الخير ليلقاه في وقت حاجته إليه، وهو وقت لا ينفع المكثورَ عدَدُه، ولا الوالدَ ولدُه، ولا ذا المال مالُه، وأن يُسْلِف ما ينفعه رجوعه إليه، وهو العمل الخالص⁣(⁣٢) من شوائب الرياء والسمعة، والقصود الفاسدة؛ إذ هو سبحانه لا يقبل من عبده إلا الخالص لوجهه.


(١) في نسخة أخرى: لِيُعْطيكَ عِوَضَه.

(٢) في الأصل: الصالح.