[بعض أدلة عدم الخروج من النار]
  قوله #: فَاجْعَلْ هَمَّكَ وَسَعْيَكَ لآخِرَةٍ لَا يَنْفَدُ فِيهَا ثَوَابُ الْمَرْضِيِّ عَنْهُ، وَلَا يَنْقَطِعُ فِيهَا عِقَابُ الْمَسْخُوطِ عَلَيْهِ.
  قد تقدم الكلام في معاني الهَمِّ، والسعي، والآخرة، والنفاد، والثواب، والرضى. والانقطاع نقيض الاتصال. والعقاب الجزاءُ والنَّكال، لأنه يُعاقِبُ الفعلَ، بمعنى أنه يُسْتَحَقُّ في ثانِيهِ، وأصل العقاب الشدة، ومنه عقاب المرتقى.
  المَعْنَى فِي ذَلكَ: أنه # أمرنا أن يكون سعينا وهمُّنا لدار الآخرة، التي هي دار القرار والبقاء والدوام، فلا ينقطع - ينفد - فيها ثواب المرْضِيّ عنه، وهو العبد الواصل إلى ربه، خارجاً عن عُهدة ما لزمه له من الحق، بتأديةٍ أو عذرٍ صحيحٍ بندامةٍ حقيقية، فإنه - والحال هذه - يرضى عنه؛ لكرمه وعطفه، وجوده ولطفه.
[بعض أدلة عدم الخروج من النار]
  وهذا الخبر دليل على صدق ما ندَّعيه من التخليد لأهل الوعد والوعيد، وقد قال سبحانه، وكنَّى عن أهل النار: {وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ ١٦}[الانفطار] وقال: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ٢٣}[الجن] والخلود هو الدوام، والتأبيد تأكيد له. وفي الحديث عن النبي ÷: «لَوْ قِيلَ لِأَهْلِ النَّارِ: إنَّكُمْ مَاكِثُونَ فِي النَّارِ بِعَدَدِ كُلِّ حَصَاةٍ فِي الدُّنْيَا لَفَرِحُوا، وَلَوْ قِيلَ لِأَهْلِ الْجَنَّةِ: إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ فِي الْجَنَّةِ بِعَدَدِ كُلِّ حَصَاةٍ فِي الدُّنْيَا لَحَزِنُوا، وَإنَّمَا يُقَالُ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ خُلُودٌ وَلَا مَوْتَ، وَيَا أَهْلَ النَّارِ خُلُودٌ وَلَا مَوْتَ» فهنالك يُبلِس المبلسون(١)، ويفرح المؤمنون، وينجو من عقابٍ لا ينقطع مع رضا الرب الكريم، وما يقع له من الجلال العظيم، فإنا قد علمنا أن العقلاء يؤْثِرون رضا الملوك؛ ليحصل لهم من رضاهم ما يُكْسِبهم جَلالةً عند الناس، ويستهْوِنُونَ في ذلك إتلاف النفائس والنفوس.
  جعلنا الله وإياكم من الفائزين برضوانه الحائزين لرفيع جنانه، والصلاة على محمد النبي وآله.
(١) الإِبْلاسُ: الْيَأْسُ. ومنه سُمّي إِبْلِيسٌ لذلك، تمت، هامش (أ).