حديقة الحكمة النبوية في تفسير الأربعين السيلقية،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[علامات الساعة وذكر بني أمية وبني العباس]

صفحة 341 - الجزء 1

  وإِذا جالَسْتَهُ صَدَّرْتَهُ ... وَتَنَكَّبْتَ لَهُ في الْحَاشِيَهْ

  وإذا سايَرْتَهُ قَدَّمْتَهُ ... وَتَأَخَّرْتَ مَعَ الْمُسْتَانِيَهْ

  وإِذا عاشَرْتَهُ وَافَيْتَهُ ... سَلِسَ الخُلْقِ سَلِيمَ النَّاحِيَهْ

  والفَسَقة الخارجون عن أمر الله، لأنَّ الفِسْق هو الخروج، ومنه قولهم: فَسَقَت الرُّطَبَةُ إذا خرجت من غلافها. والاضطهاد هو القهر والشدة. والآمرون بالمعروف معروفون، وهم آل النبي ÷ وأتباعهم ¤. والضيم هو الغَبْن والغَيْظ، قال الشاعر:

  أوْ تَظْلِمُونا فإنَّا مَعْشَرٌ أُنُفٌ ... لَا نَطْعَمُ الضَّيمَ إنَّ الصَّابَ مَشْرُوبُ

  يقول قد يشرب الإنسان الصَّابَ⁣(⁣١) لغرضٍ ما، ولا يطعم الضيم لإبائه وكرم نفسه.

  وهم أيضاً الناهون عن المنكر - أعني أهل البيت $ - لا نعلم لهم شريكاً إلا من اتبعهم واقتدى بهم.

[علامات الساعة وذكر بني أمية وبني العباس]

  المَعْنَى فِي ذَلكَ: أنه ÷ أخبرنا بهذه الأمور، لِنُوَطِّنَ نفوسنا على الصبر، فنؤتى أجر الصابرين، وهي لا شك أمورٌ صعبة، نسأل الله تعالى العون عليها، والساعة هي القيامة، وقد جاءت أشراطها، وعاينَّا دلائلها، فما بقي إلا القليل، وفي الحديث أنها تقوم يوم الجمعة، والناس غارّون لاهون في أمر دنياهم، قد نشر الرجلان الثوب بينهما فلا يدريان من يطويه، وقد رفع الرجل اللقمة فلا تصل إلى فيه، وقد لاط⁣(⁣٢) الرجل الحوض لإبله وملأه، فلا يدري من يسقيه! وعندها ينقطع التكليف عند ظهور آياته سبحانه الباهرة قبل الساعة، وميلنا إلى الاختصار، وإنما أشار أنَّ بين يدي الساعة أموراً شداداً، وقد كانت والحمد لله في فورة بني أمية وعنفوان⁣(⁣٣) بني العباس؛ فإنهم اتخذوا مالَ الله دُوَلاً وعباد الله خَوَلاً، ورفعوا حِشْمَة الإسلام، وارتكبوا الأمور العظام.


(١) الصَّابُ: شَجَرٌ مُرٌّ. (القاموس المحيط: ١٠٦)

(٢) لَاطَ الحوْضَ بِالطِّينِ لَوْطاً: طَيَّنه. (لسان العرب: ٧/ ٣٩٤).

(٣) فَوْرَةُ بَنِي أُمَيَّةَ: أي شِدَّتُها وَاجْتِماعُها، وعُنْفُوانُ الشيء: أوَّلُهُ، يُقالُ: هو في عُنْفُوانِ شبابه، وما أبلغ الإمام في اختيار اللفظتين للفئتين، حيث كانت نهاية الأمويين وهم في أقوى قوتهم في آخر دولتهم، لكن العباسيين كانت قوتهم وهيمنتهم في مدة عصر الخلفاء التسعة الأولين - قرنٌ كاملٌ من عام ١٣٢ هـ وحتى ٢٣٢ هـ - وهو العصر العباسي الأول، ثم بعد الواثق ابن المعتصم بدأ الضغف ينال دولتهم.