الحديث الرابع والثلاثون
الحديث الرابع والثلاثون
  عَنْ(١) أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ، وقدْ تقدّم الكلام في نسبه وذكرِ طرفٍ من حاله، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ÷ يَقُولُ لِرَجُلٍ يَعِظُهُ: «ارْغَبْ فِيمَا عِنْدَ اللهِ يُحِبُّكَ اللهُ، وَازْهَدْ فِيمَا فِي أَيْدِي النَّاسِ يُحِبُّكَ النَّاسُ، إِنَّ الزَّاهِدَ فِي الدُّنْيَا يُرِيحُ قَلْبَهُ وَبَدَنَهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، والرَّاغِبَ فِيهَا يُتْعِبُ قَلْبَهُ وَبَدَنَهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، لَيَجِيئَنَّ أَقْوَامٌ يَوْمَ الْقِيَامةِ لَهُمْ حَسَنَاتٌ كَأَمْثَالِ الْجِبَالِ، فَيُؤْمَرُ بِهِمْ إِلَى النَّارِ، فَقِيلَ: يَا نَبِيَّ اللهِ أَوَمُصَلُّونَ كَانُوا؟ قَالَ: كَانُوا يُصَلُّون وَيَصُومُونَ، وَيَأْخُذُونَ وَهْناً مِنَ اللَّيْلِ، لَكِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا لَاحَ لَهُمْ شَيْءٌ مِنَ الدُّنْيَا وَثَبُوا عَلَيْهِ».
  الحب نقيض البغض. وأصل الزُّهْد القِلَّة، زهيد بمعنى قليل، وأزهد لي بمعنى أَقِلّ لي. ازْهَدْ فِيمَا فِي أَيْدِي النَّاسِ استقِلَّه ولا تطْلُبْه. والراحة نقيض التعب. والقلب بَضْعَةٌ في الجسد معروفة، والقلب في أصل اللغة هو الوسط، فلما حَلَّتْهُ(٢) سُمِّيتْ قلباً، وهي محل العقل، ومنبع الروح. والبدَن جسد الإنسان، وهي الدرع أيضاً، وأحسبها سميت به لكونها عليه، قال فروة بن مُسَيك(٣) في بعض أراجيزه يذكر غارةً شهدها:
  لَمَّا تلاحَقْنَ حوالا نَوفانْ ... يَحْمِلْنَنَا وَبَيْضَنَا والْأَبْدانْ
(١) قال السيد الشريف: حدثنا شيخي أبو سعيد يعني السيرافي قال حدثنا هبة الله بن عاصم الفارقي بميافارقين قال حدثنا محمد بن عبد الله الخزاعي قال حدثنا حماد بن سلمة عن أبي هارون عن أبي سعيد الخدري ... الحديث.
(٢) أي اتخذت تلك المُضْغَةُ وَسَطَ الْجَسَدِ مَحَلًا.
(٣) فَرْوَةُ بنُ مُسَيْكٍ الْمُرَادِي: أصله من اليمن، قدم على رَسُول اللَّهِ ÷ فِي سنة تسع فأسلم، فبعثه عَلَى مراد وزُبيد ومذحِج، وهو الذي بنى الجبانة الواقعة شمال شرق سور صنعاء، بأمر النبي ÷، توفي حوالي عام ٣٠ هـ.