حديقة الحكمة النبوية في تفسير الأربعين السيلقية،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

الحديث الخامس والثلاثون

صفحة 353 - الجزء 1

الحديث الخامس والثلاثون

  عَنِ⁣(⁣١) ابْنِ عُمَرَ - قد تقدم الكلام في نسبه وشرح طرف من حاله، وجملةُ الأمر أنه كان قدوةً لصلاحه، أتاه رجل يسأله عن دم البعوض؛ قال: ممن أنت؟ قال: من أهل العراق. قال: تسألني عن دم البعوض وقد قتلتم الحسين بن رسول الله ÷؟!. وكان يكثر البكاء على وقوفه عن علي بن أبي طالب #؛ مع أنه استأذن في التخلف - قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ÷ يَقُولُ: «أَيُّهَا النَّاسُ؛ إِنَّ هَذِهِ الدَّارَ دَارُ الْتِوَاءٍ لَا دَارُ اسْتِوَاءٍ، وَمَنْزِلُ تَرَحٍ لَا مَنْزِلُ فَرَحٍ، فَمَنْ عَرَفَهَا لَمْ يَفْرَحْ لِرَخَاءٍ، وَلَمْ يَحْزَنْ لِشَقَاءٍ، أَلَا وَإِنَّ اللهَ خَلَقَ الدُّنْيَا دَارَ بَلْوَى، وَالْآخِرَةَ دَارَ عُقْبَى، فَجَعَلَ بَلْوَى الدُّنْيَا لِثَوَابِ الْآخِرَةِ سَبَباً، وَثَوَابَ الْآخِرَةِ مِنْ بَلْوَى الدُّنْيَا عِوَضاً، فَيَأْخُذُ لِيُعْطِي، وَيَبْتَلِي لِيَجْزِي، إِنَّهَا لَسَرِيعَةُ الذَّهَابِ، وَشِيكَةُ الْانْقِلَابِ، فَاحْذَرُوا حَلَاوَةَ رَضَاعِهَا لِمَرَارَةِ فِطَامِهَا، وَاهْجُرُوا لَذِيذَ عَاجِلِهَا لِكَرِيهِ آجِلِهَا، وَلَا تَسْعَوا فِي عُمْرَانِ دَارٍ قَدْ قَضَى اللهُ خَرَابَهَا، وَلَا تُوَاصِلُوهَا وَقَدْ أَرَادَ مِنْكُمُ اجْتِنَابَهَا، فَتَكُونُوا لِسَخَطِهِ مُتَعَرِّضِينَ وَلِعُقُوبَتِهِ مُسْتَحِقِّينَ».

  الالتواء: الاعوجاج. والاستواء الثبات. والتَّرَحُ نقيض الفَرَحِ، وهو مما يتبع به القُبْح نعوذ بالله منه، يقال: قبْحاً وتَرَحاً.

  المَعْنَى فِي ذَلكَ: أنه # أشعر الناس جميعاً بأنَّ هذه الدار - يعني دار الدنيا - دار التواءٍ، أي اعوجاجٍ ومَيَلانٍ وقلة ثبات، وليست بدار استواء، أي ثباتٍ وقيامٍ واستمرارٍ، ومنزل تَرَحٍ غَمٍّ ووَجْدٍ، وحُزْنٍ وكَمَدٍ⁣(⁣٢)، فإذا كانت هذه حالها وعُلِمَ ذلك منها؛ كان مَنْ عرفها لم يفرح برخائها،


(١) قال السيد الشريف: وحدثنا إبراهيم بن محمد بن عرفة قال حدثنا عبيد الله بن جرير ابن جبلة العتكي قال حدثنا معاذ بن أسد عن عبد الله بن المبارك عن إسماعيل بن عياش عن يحيى الطويل عن نافع عن ابن عمر ... الحديث.

(٢) الكَمَدُ: تَغَيُّرُ اللَّوْنِ، وذَهابُ صَفائِهِ، والحُزْنُ الشديدُ، ومَرَضٌ في القلْبِ. قاموس. هامش (أ). (القاموس: ٣١٥).