[مسألة الرزق والتفضل، وتعلقهما بالصلاح والفجور في الدنيا والآخرة]
  قوله #: أَلَا وَإِنَّ الدُّنْيَا عَرَضٌ حَاضِرٌ، يَأْكُلُ مِنْهُ الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ، وَالْآخِرَةَ وَعْدٌ صَادِقٌ، يَحْكُمُ فِيهَا مَلِكٌ قَادِرٌ.
  العَرَض: ما يَعْرض في الوجود ولا يجب لبثه. والحاضر: نقيض الغائب. والبَرُّ: المسلم، وأصله من السلامة سُمِّي البر برّاً. والفاجر: المجرم، والفجور: الخروج من طريق الخير، وسَمَّوا حرب قيس وكِنانة حَرْبَ الفجار؛ لأنهم هتكوا فيه حُرْمة الأشهر الْحرُم فخرجوا عن الحدود. والوعد: هو الخبر عن إيصال نفعٍ إلى الغير في المستقبل، هذا عند أهل الكلام، وفي الأصل: الخبر بوصول أمرٍ ما في المستقبل، خيرٍ أم شرٍ.
[مسألة الرزق والتفضُّل، وتعلقهما بالصلاح والفجور في الدنيا والآخرة]
  المَعْنَى فِي ذَلكَ: أنه # أخبر أن الدنيا قليلة اللّبْث والإقامة، حاضرة يأكل منها البر والفاجر، لا يؤْثَرُ بها البرّ لأجل برِّه، ولا يمنع منها الفاجر لأجل فجوره، وهذا مطابق لقوله سبحانه: {كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا ٢٠}[الإسراء] فلم يرض بها الحكيم سبحانه ثواباً لمن أطاعه ولا عقاباً لمن عصاه، بل جعلها دار تكليف، أسبغ على الجميع فيها رزقَه، وضاعف عليهم نِعَمَه؛ لإكمال الحجة عليهم في دار الآخرة، لأنه تعالى لو لم يقصد وصول النعم إلى الكفار والفساق لما كان منعماً عليهم، ألا ترى أنا إذا صنعنا طعاماً لعمرو وحظرناه على زيد، فجاء زيد فغصبه وأكله فإن العقلاء لا يوجبون عليه شكراً والحال هذه. وإنما يوجب أهل الشرع عليه الغرامة(١)، ولا نكون منعمين عليه ولا لنا عليه مِنَّة، فكل من أدَّاه علمه إلى أنَّ الله لا نعمة له على من عصاه ولا يجب عليه شكره ردَّ قوله تعالى: {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ}[لقمان: ١٤] فكيف يأمر بشكر ما ليس منه، وكذلك قوله: {وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ ١٥٢}[البقرة] ويكون ردّاً لقوله تعالى: {الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا}[إبراهيم: ٢٨] جحدوها وغمِصوها، ومن فعل ذلك فقد كفر وتعدّى، وهلك وتردّى، وانقلب علمه جهلاً، وحلمه طيشاً وسفهاً، وتمرَّد على خالقه، وأنكر فضل بارئه، فنعوذ بالله من الزيغ المؤدِّي إلى الضلال، والتعلق بأسباب الجُهَّال.
(١) في الأصل: وإنما يوجب عليه أهل الشرع الغرامة.