الحديث الثامن والثلاثون
الحديث الثامن والثلاثون
  عَنِ(١) ابْنِ عَبَاسٍ، قد تقدم الكلام في نسبه وذكر طرف من حاله، وهو أشهر من أن ينصب على أمره برهان، قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ الله ÷ يَقُولُ: «إِنَّهُ مَا سَكَنَ حُبُّ الدُّنْيَا قَلْبَ عَبْدٍ إِلَّا الْتَاطَ مِنْهَا بِثَلَاثٍ: شُغْلٍ لَا يَنْفَكُّ عَنَاؤُهُ، وَفَقْرٍ لَا يُدْرَكُ غِنَاهُ، وَأَمَلٍ لَا يُنَالُ(٢) مُنْتَهَاهُ، إِنَّ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ طَالِبَتَانِ وَمَطْلُوبَتَانِ، فَطَالِبُ الْآخِرَةِ تَطْلُبُهُ الدُّنْيَا حَتَّى يَسْتَكْمِلَ رِزْقَهُ، وَطَالِبُ الدُّنْيَا تَطْلُبُهُ الْآخِرَةُ حَتَّى يَأْخُذَ الْمَوْتُ بِعُنُقِهِ، أَلَا وَإِنَّ السَّعِيدَ مَنِ اخْتَارَ بَاقِيَةً يَدُومُ نَعِيمُهَا عَلَى فَانِيَةٍ لَا يَنْفَدُ عَذَابُهَا، وَقَدَّمَ لِمَا يَقْدَمُ عَلَيْهِ مِمَّا هُوَ الْآنَ فِي يَدَيْهِ، قَبْلَ أَنْ يُخَلِّفَهُ لِمَنْ يَسْعَدُ بِإِنْفَاقِهِ وَقَدْ شَقِيَ بِجَمْعِهِ وَاحْتِكَارِهِ».
  السكون هو الحلول والقطون. والحب نقيض البغض. وقد تقدم الكلام في القلب والعبد. والالتياط الالتصاق. والشغل معروف وأصله الْمِلْءُ للإناء، فكأنَّ الشغل يملأ الإنسان فلا يبقى منه فضلة لغيره، فسُمِّي شغلاً. والانفكاك الانفصال. والعناء هو التعب والنَّصَب. والأمل هو انتظار وقوع أمرٍ محبوبٍ في المستقبل يُغَلَّبُ حصوله على فواته، وبذلك يخالف الرجاء، وإلا فهما متقاربان في لسانهم جداً. والفقر نقيض الغنى وهما معروفان.
  المَعْنَى فِي ذَلكَ: أنه # أخبر - وهو الصادق في خبره - أن حب الدنيا لا يسكن قلبَ عبد إلا والتاط منها بثلاث خلالٍ لو لم تكن إلا واحدة لكانت كافية في التنفير عن التعلق بحب الدنيا.
  الأولى منها: الشغل المتصل الذي لا ينفك تعبه ولا نصبه، وهذه مشقة عظيمة دفعها عن النفس واجب.
(١) قال السيد الشريف: حدثنا أبو القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب الطبراني قال حدثنا أبو زرعة الدمشقي قال حدثنا محمد بن بكار بن بلال قال حدثنا سعيد بن بشر عن قتادة عن أبي العالية عن ابن عباس ... الحديث.
(٢) في الأصل والنسخة (أ): لَا يُدْرَكُ، وما أثبت من نسخة أخرى ومن كتاب الأنوار المضيئة شرح الإمام يحيى بن حمزة #.