حديقة الحكمة النبوية في تفسير الأربعين السيلقية،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[حال عبد الملك بن مروان عند موته والعبرة في ذلك]

صفحة 62 - الجزء 1

  عُهْدَةِ ما لزمه، وما بِهِ فعلٌ من الأفعال إلَّا ولله تعالى فيه حُكْمٌ، وقد قال سبحانه: {وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ ٥٢ وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ ٥٣}⁣[القمر] وإنما خص ÷ الأفعال الصالحة لأنَّ عاملَها غانمٌ، وتاركَها غارمٌ، وصلاحُها سلامتُها من آفات التبعات المتعلقة بالأفعال المقبحات، ولَمَّا تعلَّقتْ بها إرادة الحكيم اختص ذلك الوصفُ بالواجبات والمندوبات؛ إذْ قامت الدلالة على أنه تعالى ورسوله ÷ لا يريد منا المباحات.

  قوله #: قَبْلَ أَنْ تُشْغَلُوا.

  يريد # بما يحدث من موانع الأسقام وحوادث الأيام التي لا ينجو منها في مجرى العادة أحدٌ.

[حال عبد الملك بن مروان عند موته والعبرة في ذلك]

  وفي الرواية أنَّ عبد الملك بن مروان⁣(⁣١) لما أصابَتْهُ العِلَّةُ كان يُطِلُّ من الرَّوْشَن⁣(⁣٢) فيصيح بأعلى صوته: يا أهل العافية؛ لا تغبطوا الملوك على ملكهم؛ فوالله ما رزق الله أحداً أجَلَّ من العافية، وأصابته عِلّةٌ قضى له أهل المعرفة بالطب أنه إنْ شربَ مات لا محالة، فلما جَهَدَهُ العطش دعا بالماء فمُنِعَ منه، فدعا بابنته فاطمة فسألها الماء فسقته فمات من حينه.

  وهذه نصيحةٌ من طبيب الدِّين ومُعَلِّمِ الخيرِ ومُرْشدِ الضُّلَّالِ، ÷؛ لا تساويها رغائب الأموال، فالواجب قبولُهَا، والمبادرةُ بالأعمال قبل نزول الأشغالِ، والأشغالُ هي الموانعُ، لا فرق في ذلك، وأحسب أنَّ تفسيره قد تقدم.


(١) عبد الملك بن مروان بن الحكم بن أبي الْعَاصِ بن أُميَّة، يكنيه أولياؤه: أبا الوليد وأبا مروان، وكنيته اللازمة رشح الحجر لبخله، وأبو الذباب لبخره، وكان أفوه، مفتوح الفم مشبك الأسنان بالذهب، وهو المجهِّز الجنود العظيمة إلى حرم الله وحرم رسوله، ورامي الكعبة بالمجانيق، وأمر بهدمها وردّها على أساس الجاهلية، وولّى الحجاج بن يوسف على من بقي من المهاجرين والأنصار أصحاب رسول الله ÷ ففعل العظيم، وركب الجسيم، ولو لم يكن من عظائمه إلا تولية الحجاج على أمر الأمة مع ظهور أمره، وعموم شرّه ... تَوَلَّى سنة خمس وستين، وتُوُفِّي للنصف من شوال سنة ستٍ وثمانين، ودُفِن بِدِمَشْقَ، وكان عمره ستين سنةً على خلافٍ. (انظر كتاب الشافي ط ٢ - ج ١/ ٤٨٣).

(٢) الرَّوْشَنُ: الكُوَّةُ والرُّفُّ كما في (لسان العرب) و (القاموس المحيط) وقال في حواشي شرح الأزهار: الرَّوْشَنُ: ما يَخْرُجُ مِنَ الْبِنَاءِ عَلَى هَوَاءِ الشَّارِعِ، وَهُوَ صَغِيرُ الْحَجْمِ، ا. هـ أثمار.