[الكلام حول المراد من الشفاعة المذكورة في الحديث، ولمن تكون]
  الْحَكِيمُ ٨ وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ٩}[غافر].
  وبقوله تعالى: {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ ١٨}[غافر]، عموم، فنفى سبحانه عموم الشفاعة من كل شفيع لكل ظالم، والفاسق ظالم، كما أن الكافر ظالم، فيدخل في ذلك العموم.
  ولأن التعبد ورد بالدعاء إلى الله تعالى أن يدخلنا في شفاعة النبي ÷ وتلك عادة المسلمين كافة إلا أن يباهت؛ فتلك عادته، أفيدعى إلى الله تعالى أن يدخلهم في شفاعته؟ فهل يرى الفقيه أن دعاءهم بأن يجعلهم به من الفاسقين العاصين الظالمين؟! لقد نظر نظراً غير سديد، ولو كان قبل تمام الحديث سبق إلى فهمه أن النبي ÷ يدعو على من لم يخلفه من أمته بشر لسلم في الدعاء للمسلمين كما حكي عن الملائكة، فكذلك يكون دعاء الأنبياء، ولا يخلفه في ذريته بالخير إلا المؤمنون ينصرونهم ويجاهدون دونهم، وشفاعته ÷ لا تنال إلا من كان كذلك.
  وأن من لم يخلف النبي ÷ فيهم وإن اجتهد في العبادة لم تنله الشفاعة، وزُهْدُ الفقيه في مزايا الدرجات لا يصغرها، وقد قال تعالى: {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ ٢٦}[المطففين]، فندعوا الله تعالى أن يدخلنا في شفاعة النبي ÷، فلو كانت الشفاعة لا يستحقها إلا العصاة لكان ذلك دعاء بأن نكون من العاصين! وذلك لا يصح، وغير ذلك من الوجوه التي تقتضي إثبات الشفاعة وأنها للمؤمنين، ويزيدهم الله نعيماً إلى نعيمهم، وسروراً إلى سرورهم كما حكى الله تعالى عن الملائكة في قوله تعالى: {رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ}[غافر: ٨]، ولم يقل: من فسد أو زنا أو سرق.