كتاب الشافي،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[تعليق القرشي على رسالة الفقيه التي سماها (الدامغة)]

صفحة 362 - الجزء 2

[تعليق القرشي على رسالة الفقيه التي سماها (الدامغة)]

  وأما ما حكاه [أي: الفقيه] عن صاحب الرسالة بقوله: وما زعم أنه رد به على ما ذكرناه في أول رسالتنا الدامغة لما قلت في أولها: الحمد لله الذي أوضح لنا معالم الرشاد، ووفقنا للاقتصاد في الاعتقاد ... إلى آخر ما ذكرتُ - فالكلام عليه⁣(⁣١): أن هذا إنما يصح ممن يعتقد أن الله تعالى منزه عن الإغواء لعباده، وصرفهم عن طريق رشاده، وأنهم مختارون لأفعالهم الحسن منها والقبيح، وأنه سبحانه قصد بالنعم عليهم الإنعام والتفضل دون أن يجعلها استدراجاً لهم إلى الهلاك والعطب على ما ذلك محكي عن المجبرة والقدرية، فحينئذ يحسن حمده سبحانه على هذا الإنعام.

  فأما على مذهب من يقول: الله تعالى خالق أفعال العباد، الصلاح منها والفساد، وجابر أهل الكفر والعناد وغيرهم من خلقه، ولا قدرة لأحد منهم على خلاف الواقع، ولا حيلة بمانع ولا دافع، وأن كل قبيح فالله تعالى فاعله ومثبته ومخترعه ومبتدئه، وأن نعمه سبحانه بالخلق والتكليف والإقدار والتمكين للكفار والفساق ليصيروا معاً إلى النار؛ فلا معنى حينئذ لحمده على ذلك مع هذا الاعتقاد الموقع لهم في أعظم المهالك، وهذه مقالة المجبرة القدرية لا خلاف بينهم فيها، وإن اعتل بعضهم في بعض أفعال العبيد بالاكتساب الذي زاده عاراً، وازداد أهل العدل والتوحيد به استظهاراً، فصار جبراً من جهتين، وإضافة فعل العبد إلى الله من طريقين، على ما سنبينه في موضعه إن شاء الله تعالى.

  ثم قال [أي: الفقيه]: فأقول وبالله التوفيق: «لقد تهور هذا الرجل تهوراً عظيماً، وركب في خلافه الكتاب والسنة خطراً جسيماً؛ إذ كان في ابتدائه من الرد


(١) تعليق صاحب الرسالة على كلام الفقيه.