كتاب الشافي،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[الكلام في اشتقاق اسم القدري وإضافته وما يلزم الفقيه على مذهبه]

صفحة 416 - الجزء 2

  لهم ويُصَاغُ لهم، فلما استحال هذا علم أنهم هم القدرية الذين يدعون لأنفسهم القدرة والخلق مع كونهم كاذبين فيه، فثبت أن الاسم متوجه عليهم، وأن الذي حكوه فهم كذبة فيه، وكان ذلك من الله سبحانه عقوبة لهم وعلامة لهم يتميزون بها عن غيرهم».

  فالجواب: أنه قد ثبت أن من أضاف أفعال العباد إلى الله سبحانه وتعالى وفيها القبائح والفحشاء فهو أحق باسم القدري؛ لأنها صفة ذم، فيستحق على إضافة القبيح إلى من لا يجوز إضافته إليه.

  وأما قوله: «قدره لي» فإن أراد خلقه، فقوله: «لي» لا معنى له، كيف يصح أن يقول في فعله خلقه لي؟ وذلك لا يثبت إلا في التمليك وليس ذلك مراداً هاهنا.

  وأما قوله: «فلما استحال هذا علم أنهم هم القدرية الذين يدعون لأنفسهم القدرة والخلق».

  فالجواب: ما قدمنا من أن دعواهم لخلق أفعالهم إن كانت صادقة لم يلزم على الصدق محال، وكان في تصديقه إبطال السؤال، على أنه لو لزم على الصدق أن يسمى قدرياً للزم في الباري سبحانه، فإنه وصف نفسه بأنه قدر أفعاله بمعنى الخلق فيكون قدرياً.

  وإن كان العبد كاذباً في أنه يقدر أفعاله لم يجب أن يسمى قدرياً كما لا يسمى من يتعاطى صناعة وهو كاذب صانعاً لها، فلا يقال: صانع ولا كاتب ولا خياط ولا نجار ولا بانٍ إلا لمن يدعي ذلك، وهو صادق في ادعائه؛ فبطل إما مذهبه في أن العبد ليس بفاعل حتى يتوجه سؤاله، وإما أن يبطل كون العبد فاعلاً فلا يلزم بدعواه كونه قدرياً.

  وأما قوله: «فإن قالوا: فيجب أن يكون الله سبحانه قدرياً؛ لأنه أثبت القدر لنفسه، قيل: أولاً أنكم تجحدون هذا ولا تقرون به».