كتاب الشافي،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[الكلام حول الرضا والسخط]

صفحة 470 - الجزء 2

  النار بعد استحقاقه للجنة فما في هذا من تكذيب الله تعالى والرسول ÷ أو شرك صراح.

[الكلام حول الرضا والسخط]

  وأما قوله: «أو كفر بواح» - فهو من من غريبه الذي اختص به دون العرب لولا الجهل بمواضع الاستدلال، وقد قدمنا طرفاً من ذلك، ونحن نزيده وضوحاً إن شاء الله تعالى، فنقول: إن الله تعالى أثنى على السابقين من المؤمنين ورضي عنهم كما قال تعالى، وذلك لا يمنع من وقوع الخطأ منهم فيما بعد أو من بعضهم؛ فإنه تعالى إنما يرضى عنهم لما تقدم منهم من الطاعة له فإن خرج أحدهم عن طاعته زال رضاه عنه، ولهذا قال سبحانه: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا ١٨}⁣[الفتح]، فأخبر تعالى أنه رضي عنهم يومئذ.

  وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا ١٠}⁣[الفتح]، فأخبر سبحانه أنه من نكث بعد بيعته بعد رضاه عنه فوبال نكثه عليه، وذلك يدل على أنه لو نكث عن بيعته لغضب عليه بعد رضاه عنه؛ لأن رضاه سبحانه عن المؤمن هو إرادة تعظيمه وإجلاله وإثابته بما تقدم منه، فإذا عصى ذلك المؤمن أو ارتد عن الإيمان سخط عليه، وسخطه هو إرادة العقاب له والاستخفاف به.

  وإذا كان الكافر المغضوب عليه قد يسلم فيصير مرضياً عليه، والمؤمن المرضي عليه قد يرتد فيصير مغضوباً عليه لم يمتنع أن يرضى سبحانه بعد سخط، ويسخط بعد رضا، كيف وقد قال سبحانه: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا