[الكلام في المراسيل]
  وخالف في ذلك الذين يتسمون بأصحاب الحديث والظاهرية، وقد نُسب ذلك إلى الشافعي وتعليلُهُ هذه المقالة يقضي بأنه يجيز قبول المراسيل، ولكن لا على الإطلاق، وكان يقبل مراسيل سعيد بن المسيب.
  والدليل على صحة ما ذهبنا إليه: أن العلة التي توجب قبول مسند الراوي هي قائمة في مرسله وهي العدالة والضبط، بدليل: أن من عدما فيه أو أحدهما لم يقبل خبره، ومن وجدا فيه قُبل خبره؛ لأن حكايته للإسناد جار مجرى المتن، وإن قبل الإسناد مضافاً إلى الخبر قبل الخبر مفرداً عن الإسناد، ولأن الصحابة كانت ترسل بلا إنكار من بعضهم على بعض، فلولا جواز ذلك في الشرع لما فعلوه، وهم معلّمون لمن بعدهم.
  والذي يدل على صحة ما ذهبنا إليه: أن الصحابة ¤ اتفقوا على العمل بالمراسيل اتفاقهم على العمل بالمسانيد، ولأن الذي أوجب قبول الخبر مسنداً يوجب قبوله مرسلاً وهو العدالة والضبط، ولأن الذي استدللنا به على قبول خبر الآحاد هو فعل الصحابة، وهذا الدليل موجود في قبول مرسل الراوي.
  بيان ذلك: أن مسند علي # ليس بينه وبين رسول الله ÷ رجل، وقد بينا فيما تقدم أن بعض ما يروي كان غيره يرويه له عن رسول الله ÷ في قوله #: (كنتُ إذا سمعتُ من رسول الله ÷ حديثاً نفعني الله به ما شاء أن ينفعني منه، فإذا أخبرني عنه غيره حلّفته، فإذا حلف صدّقته، وحدثني أبو بكر وصدق أبو بكر).
  ولأن ابن عباس ¥ من أصاغر الصحابة فلم يسمع من رسول الله ÷ إلا أحاديث يسيرة قيل إنها بضعة عشر حديثاً، فدل أن حديثه سمعه عن غيره من الصحابة، وليس بينه وبين رسول الله ÷ في مسنده واسطة إلا كل حديثه: قال رسول الله ÷، ولذلك فإنه لما ظهر عنه حديث الربا أن النبي ÷ قال: «لا ربا إلا في النسية»، نُوقش عنه، فقال: أخبرني به أسامة بن زيد.