كتاب الشافي،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[جواب الفقيه على القرشي في مسألة أفعال العباد]

صفحة 495 - الجزء 2

  الضرب، والعلم الحاصل عند وجود النظر، والذهاب الحاصل عند وقوع الحجر، وما في معنى ذلك - فقد اختلف فيه المتكلمون اختلافاً كثيراً، ولا فائدة في نقل الأقوال؛ لأن هذه الرسالة لا تحتمل ذكر جميع ذلك، والرد عليه، ولأن الحق ليس بمتعدد بل هو من الأقوال في واحد.

  والذي ذهب إليه أهل السنة أن هذه الأشياء خلق لله تعالى يفعلها مبتدئاً بقدرته تجري العادة عند وجود أسبابها، والعبد غير محدث لها ولا مكتسب لها، وإنما هو مكتسب الحركة الموجودة بمحل القدرة دون ما انفصل عنه، والأمر والنهي إنما هو متعلق بالحركة التي عندها خروج الروح والجرح والألم، ولأهل السنة على ذلك أدلة كثيرة لا يمكن حصرها في هذه الرسالة، ولم يذكر الرجل دليلاً على ما قاله سوى ما ألزمه المجبرة وهو غير لازم لنا، ولكنا نستدل على ذلك بحسب ما يحتمله الحال من طريق البرهان والإلزام.

  أما البرهان فنقول لهم: ما تقولون في هذه الأفعال التي تدعون أنها متولدة أهي مقدورة لفاعلها أم غير مقدورة؟

  فإن قيل: إنها غير مقدورة له كان باطلاً؛ فإن أفعال العبد لا بد أن تكون مقدورة، ولو جاز وجود أفعال العباد غير مقدورة لفاعلها لساغ أن يقال: إن هذه الأفعال المضافة إلى الله سبحانه ليست مقدورة له حتى إذا فعل أسباباً فتولدت منها أفعال مثل أن يهيج الرياح فتحمل أجساماً، فقال: حمل الأجسام غير مقدور له، وكذلك الإحراق بالنار، والترطيب بالماء، فلما لم يقولوا دل ذلك على كون الفعل مقدوراً لفاعله.

  وإن قالوا: هي مقدورة له.

  قلنا: إذا قلتم إنه مقدور له، فهل يقدر على مباشرته من غير وجود هذا السبب أم لا؟

  فإن قالوا: يقدر على وجوده من غير هذا السبب.