كتاب الشافي،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[مباحث هامة حول الحدوث وصفته وتعدده]

صفحة 525 - الجزء 2

  والمختلفان يختص كل واحد منهما بصفة لم يختص الآخر بها لا على وجه التعاكس، والصفات في أنفسها ليست لها صفات لأن ذلك يؤدي إلى السلسلة⁣(⁣١)، وإنما يختص بالصفات الذوات فإذا لم يكن للصفة صفة لم نقل إنها


(١) [بحث في الصفة الأخص ووجه وجوبها]

قال ¦ في التعليق: والأصل في ذلك أنه قد علم أن الذوات لا بد أن تكون متماثلة أو متخالفة.

فلا يخلو: إمَّا أن تكون المماثلة والمخالفة لأمر أم لا.

الثاني باطل؛ إذ لا يكون ثبوتها أولى من عدمه.

والأول لا يخلو: إمَّا لمجرد كونها ذواتاً، أو لصفةٍ.

الأول باطل؛ وإلا لزم كون الذوات متماثلة متخالفة في كل حال، وهو محال.

فتعين أن يكون ذلك لصفة، ولا يخلو: إما أن تشترك الذوات في تلك الصفة أم لا.

إن اشتركت فيها اقتضت المماثلة، وإلاَّ تشترك الذوات فيها اقتضت المخالفة.

فإن كان الافتراق لاختصاص كل من ذاتين [كذا في هامش الشافي (٢/ ٢٢٤) ولعله: (كل من الذاتين)] بصفة، وافترقتا فيها على وجه التعاكس - اقتضت الصفات المخالفة بالتضاد، وإن كان الافتراق لاختصاص كل ذات بصفة لم تختص بها الأخرى لا على وجه التعاكس، اقتضت الصفات المخالفة المطلقة.

وإذ علمت هذا فالذوات ثلاث: ذات القديم، وذات الجسم، وذات العرض.

فذات الجسم اختصت بصفة ذاتية لها وهي الجوهرية، بها خالفت الذاتين الأخريين.

وذات العرض اختصت بصفة ذاتية لها كالسوادية في السواد، بها خالفت الذاتين الأُخريين.

وقد ثبت بالأدلة مخالفة ذات القديم تعالى لذاتي الجسم والعرض، فلا بد أن تختص ذاته بصفة ذاتية، بها خالفت ذاتيهما، وهي غير الصفات الأربع من القادرية، والعالمية، والحياة، والوجود، لمشاركة بعض الأجسام فيها.

وأمَّا اختلاف وجه الاستحقاق فيها من حيث استحقاق القديم لها لذاته، والجسم إنما يستحقها بالفاعل: كالوجود، ولمعنى: كالثلاث [وهي: العالمية والقادرية والحيَيِّة فإنها تثبت لمعان هي: العلم والقدرة والحياة] الأُخر - فهو غير مقتض للمخالفة بين القديم والجسم؛ لأنه ليس بصفة ذاتية وإنما هو حكم لها، فلا بد من صفة أخص لذات القديم بها خالفت ذات الجسم.

وأمَّا جعل الصفة الأخص مقتضية للأربع فلا وجه له إلاَّ البناء على أنه لا يصح أن يكون للذات إلاَّ صفة واحدة، وعلَّل ذلك بأنه لو ثبت صفتان أو أكثر للذات لكانت كما لو ثبتتا لذاتين: إن اشتركتا فيهما اقتضت المماثلة، وإن افترقتا اقتضت المخالفة، فتكون الذات متماثلة ومتخالفة، وهو لا يعقل. وهذا غير لازم إذ الغيرية إما جزء من حقيقة المماثلة أو المخالفة، وإمَّا شرط لهما، وعلى كلا الأمرين فلا مماثلة ولا مخالفة تحصل من اجتماع صفتين ذاتيتين لذات واحدة؛ لفقد الغير للذات أو ما يجري مجرى غيرها، والصفة إنما تقتضي المماثلة بشرط الاشتراك والمخالفة بشرط الافتراق وهما لا يعقلان في ذات واحدة كما لا يخفى، والله أعلم.