[بحث حول القدرة ومتعلقاتها]
  والثاني: أن ذلك يبطل تعلق الأمر والنهي، والمدح والذم بالعبد لأجل ذلك المقدور، فيكون في حكم المختص بالعبد من هذا الوجه، وكأن العبد تفرد بالقدرة عليه، وهذا تسليم استظهار، والتحقيق ما قدمناه على أن الفقيه صدر المسألة بإبطال كون العبد فاعلاً فذهل واستدل على صحة مقدور لقادرين.
  وأما قوله: «دليل آخر وهو أنه قد ثبت أن إعادة الشيء المعدوم أسهل من ابتدائه؛ لأن ابتداءه يحتاج إلى إحداثه على غير مثال سبق، ولا صورة تقدمت، وإذا أعاده بعد عدمه فقد تقدمت معرفته بكيفية إحداثه، وعلى هذا نبه الله تعالى حيث قال: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ}[الروم: ٢٧]، بمعنى: وهو أهون عليه عندكم وفي مبلغ علمكم.
  وقال في جواب الكفار حين قالوا: {قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ ٧٨ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ ٧٩}[يس]، فأخبر أنه كما قدر على الابتداء فإنه يقدر على الإعادة بل الإعادة أهون عندكم، وإن كان لا يصعب عليه شيء؛ فلما وجدنا العبد وكل حيوان لو جهد جهده وفرغ وسعه وبذل كده وطاقته على أن يعيد حركة واحدة من حركاته أو فعلاً من بعض أفعاله التي تقضت وفنيت من تصرفاته لم يقدر على ذلك، وتعذر عليه - علم بهذا أنه عن ابتداء خلق تصرفه وإحداث فعله الذي هو أضعف من إعادته أضعف وعنه أعجز؛ إذ لو قدر على خلقه أولاً لوجب أن يقدر على إعادته التي هي أسهل منه.
  الذي يبين ذلك ما ذكرنا أن الباري سبحانه لما كان قادراً على الابتداء قدر على الإعادة، ولما قدر على الإعادة قدر على الابتداء، وهو واضح لمن عقل وأنصف، وأراد الرجوع إلى الحق ولم يرد العناد ولم يتعسف، والله سبحانه ولي التوفيق والتسديد ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم».
  فالجواب: أن هذا اعتراف منه بأن فعل العبد متقدم؛ لأنه قال: «فعلاً من