كتاب الشافي،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[الكلام في مسألة الإرادة]

صفحة 545 - الجزء 2

  وخالفت في ذلك الجبرية القدرية مع اختلاف بينهم في كيفية استحقاق هذه الصفة التي هي كونه سبحانه مريداً، وقالت بأسرها: إن الله تعالى يريد الواقع من أفعال العباد حسناً كان أو قبيحاً.

  والدليل على أن الله تعالى لا يريد الظلم، ولا يرضى لعباده الكفر، ولا يحب الفساد - أن ذلك راجع إلى الإرادة، وإرادة القبيح قبيحة، وهو تعالى لا يفعل القبيح.

  وتحقيقه: أن هذا الدليل مبني على ثلاثة أصول:

  أحدها: أن معنى هذه الألفاظ واحد.

  والثاني: أن إرادة القبيح قبيحة.

  والثالث: أن الله تعالى لا يفعل القبيح.

  فالذي يدل على الأول: أنه لا يجوز أن يثبت بعض ذلك مع نفي البعض الآخر؛ فلا يجوز أن يقول القائل: أريد أن يدخل داري ولا أحب ذلك ولا أرضاه، ولا يقول: أحب ذلك وأرضاه ولا أريده، بل يعد من قال ذلك مناقضاً؛ فثبت أن معناها واحد.

  والذي يدل على الثاني: وهو أن إرادة القبيح قبيحة، فما نعلمه في الشاهد من قبح الإرادة المتعلقة بالقبيح، ألا ترى أنا متى اعتقدنا في شخص الصلاح والعفة ثم أخبر عن نفسه أنه يريد كل ما يجري في البلد من الظلم ويحبه ويرضى به فإن منزلته تسقط عندنا، ونراه في منزلة من واقع شيئاً من القبائح الظاهرة؛ فليس ذلك إلا لعلمنا بإرادته للقبيح، فكل ما شاركها في كونها إرادة للقبيح وجب أن يكون قبيحاً.

  والثالث: وهو أن الله تعالى لا يفعل القبيح؛ فالذي يدل عليه أنه سبحانه عالم بقبحه وبغناه عنه فلا يفعله؛ إذ لا داعي له إليه، بل له أبلغ صارف عنه، كما يعرف في الشاهد أن من علم القبيح وغناه عنه لم يفعله، وقد أكد الله سبحانه هذه الجملة بقوله تعالى: {وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ ٣١}⁣[غافر]، {وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعَالَمِينَ ١٠٨}⁣[آل عمران]، وهذه نصوص صريحة في النفي، فمن حقها أن تعم جميع ما