[الكلام في مسألة الإرادة]
  ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا ٣٨}[الإسراء]، وإذا كان كارهاً لها لم يجز أن يكون مريداً لها لتنافي ذلك وتضاده وهذا واضح لمن تأمله بحمد الله ومنّه.
  وقد ظهر الجواب عن قوله [أي الفقيه]: «إن هذه الفرقة تعتقد أن إبليس يقدر على ما لم يقدر عليه الله» - لما بينا أن إبليس قادر على أفعاله الحسن منها والقبيح، كما قدمنا فالحسن ما تقدم من العبادة قبل المعصية والقبيح ما وقع بعدها؛ لأن إبليس - لعنه الله - عبد مع الملائكة $ أحسن عبادة أربعة(١) آلاف سنة فاستحال حينئذ أن تكون أفعاله مقدورة له تعالى أيضاً أو لغيره من القادرين، لأن مقدوراً واحداً لا يصح من اثنين فأكثر.
  الدليل على ذلك: أنه كان لا يمتنع اختلاف دواعيهما فيريد أحدهما وجود الفعل فيوجد ولا يريده الآخر فيبقى على العدم فيكون الفعل الواحد موجوداً معدوماً وذلك محال.
  وكذلك فقد ظهر الجواب أيضاً عن قوله: «إن الله ø لما أمره بالسجود أراده منه، وأن إبليس لم يرد السجود فوجدت إرادة إبليس ولم توجد إرادة الله تعالى» هكذا ذكر في رسالته، ولعله أراد فوجد مراد إبليس ولم يوجد مراد الله تعالى فعبر عن الإرادة بالمراد، وهذا أجمل ما يحمل عليه غلطه هاهنا، وذلك لأنا قد بينا أن الله تعالى لا يريد الظلم ولا غيره من القبائح بما تقدم من القول وليس من حق المراد أن يحصل لا محالة إلا عند مشيئة الإجبار ممن لا يقهر ولا يغلب.
  فأما إرادة الاختيار فلا يجب حصوله لا محالة؛ فافرق بين الإرادتين إن كنت من أهل هذا الشأن، وإن لم تكن منهم فاسأل من له بذلك خبرة وإمعان، قال الله تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ٤٣}[النحل]، ولو ظننا أن عنده قبولاً لتفصيل هذه الجمل لأوردنا منه ما لا غنى لأهل هذا الفن عنه.
(١) وعن علي # ستة آلاف سنة وقال: لا يدرى أمن سني الدنيا أم سني الآخرة، انتهى من التخريج.