[الكلام في أن إرادة القبيح قبيحة]
  لا محيص له عنده، وطالبناه بمطالبة هو عاجز عن القيام بها إلى آخر الدهر، وقد ظلت أمم كثيرة حين قاسوا الخالق على المخلوقين، والرب على المربوبين.
  فقال قوم: إن الله تعالى جسم ذو جوارح قالوا: لأنه فاعل قادر ولم نجد فاعلاً قادراً إلا وهو جسم ذو جوارح؛ فضلوا حين قاسوا الغائب على مجرد الشاهد.
  وقال آخرون: ما من حادث إلا وقبله حادث، قالوا: لأنا ما وجدنا بيضة إلا من دجاجة ولا دجاجة إلا من بيضة، فضلوا وأسسوا حوادث لا أصل لها، حين قاسوا ما لم يروه على ما رأوه.
  وكذلك هذا الرجل القدري وفرقته، قالوا: إن الله تعالى لا يريد من أفعال العباد القبائح والمعاصي؛ لأنه لو أرادها لكان سفيهاً؛ لأن مريد ذلك منَّا سفيه.
  وقالوا: لا يجوز أن يخلق الظلم؛ لأنه لو خلقه لكان ظالماً؛ لأن فاعل ذلك منا ظالم؛ فضلوا وجعلوا لله من خلقه شركاء، واغتر بتمويههم هذا كثير من الضعفاء، ولو أن إنساناً نشأ في بلاد الزنج ولم يخرج إلى غيرها ولم يجد ماء إلا عذباً ولا إنساناً إلا أسود ثم أنكر وجود البحار المالحة والبيضان من الناس، وقال: إنما قضيت بذلك قياساً على ما وجدت وشاهدت، أليس يكون مبطلاً في قياسه مخطئاً فيما حكم به؟! فدع عنك القياس في هذا المكان، واعلم أن فعل الله تعالى حسن كيف كان، واسمع الآن إلى ذكر أفعال وتصرفات الله تعالى في ملكه، لو فعل الحكيم العاقل منا مثل شيء منها لأنكره كافة العقلاء وقالوا للإنسان هذا في غاية القبح، ولو استشارهم قبل أن يفعله لزجروه غاية الزجر ونسبوه في فعله إلى السفه والجهل، فمهما فهمت هذا الأصل وعلمت أنه يستقبح منا ما يحسن فعله من الله تعالى لم تحفل بتمويهات الزائغين، وكنت معترفاً بالقصور من معرفة الأسرار في أفعال رب العالمين».
  فالجواب: أن ما أورده هاهنا من المنع من قياس الشاهد على الغائب وخلطه لما يصح من ذلك بما يفسد، فقد بينا - قبل هذا - الوجوه التي يصح الجمع بها بين