كتاب الشافي،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[حسن التكليف ووجهه والرد على شبه الفقيه]

صفحة 572 - الجزء 2

  سوى الانتفاع فإن إنزال المشقة يقبح ويكون عبثاً تعالى الله عنه، وهذه حالة المنافع التي يفعلها الله تعالى ابتداء لعبده، وإن وقع فيها تفاوت من زيادة ونقصان وإعطاء وسلب وتقليل وتكثير؛ فإنه تعالى يفعل ذلك على حسب مصالح المكلفين، وهذا هو نوع من التفضل.

  ونوع ثان من النعم والمنافع يفعلها الله تعالى على ما يصيب المرء من الآلام والمصائب والغموم وموت الأولاد ونقص الأنفس والأموال وغير ذلك من الامتحان، ولا بد أن يكون فيها غرض يتعلق بالتكليف وهو اللطف للمؤلم والاعتبار له أو لغيره من سائر المكلفين، ويعطيه الله تعالى من المنافع ما لو خير بينه وبين ما نزل به من المضرة لاختار الألم لأجل تلك المنافع الزائدة على ما في الشاهد أضعافاً مضاعفة، والمقصود هو اللطف والاعتبار، وأما العوض فعلى وجه التبع ويكون مستحقاً، ولا يجوز الإيلام لمجرد هذا النفع الذي هو العوض لأنه كان يمكن الابتداء بمثله؛ فلا يحسن الإيلام لأجله.

  وصنف ثالث من النعم، وهو الثواب المستحق على فعل الطاعات، واجتناب المعاصي، وهذا النوع يفعل بالمستحق على وجه التعظيم والإجلال فيفارق التفضل بكونه مستحقاً، ويفارق العوض بأنه مستحق على وجه الإجلال والتعظيم، وهذا نوع من النعم لا يحسن الابتداء بفعله؛ لأن تعظيم من لا يستحق التعظيم قبيح، ولهذه العلة قبح السجود للأصنام والأوثان، وهو أنه تعظيم من لا يستحق التعظيم، فيفارق ما ذكره في المثال من يُكَلِّف عبده حمل الحجارة وسقي الماء لينفعه بما يمكنه أن ينفعه به من دون ذلك؛ لأنا قد بينا أن منافع الثواب الدائمة الكثيرة الخالصة من الشوائب المستحقة على وجه التعظيم والإجلال لا يحسن الابتداء بها؛ فكيف يجمع الفقيه بين أمرين ليس بينهما وجه يجمع بينهما لولا قلة النظر والشوق إلى إيرادات الملحدين - لعنهم الله وأخزاهم -.