[حسن التكليف ووجهه والرد على شبه الفقيه]
  الألم في جنبه ما لم يكن الإيلام عقوبة؛ فأين هذا ممن قتل غيره ظلماً، أو يخرق السفينة عبثاً، لولا الجهل بمواقع المصلحة في الأديان.
  وأما السؤال الذي أورده على نفسه من حسن الإيلام للعوض وما أجاب به.
  فالجواب الصحيح: أن الألم الذي ليس بمستحق ولا عقوبة لا بد فيه من لطف واعتبار كما لا بد فيه من عوض؛ فيخرج بالاعتبار من كونه عبثاً؛ لأنه يمكن إيصال النفع إليه من دون إيلام، ويخرج بالعوض من كونه ظلماً؛ لأنه لو لم يعوضه لكان ضرراً غير مستحق ولا نفع فيه، ولا دفع ضرر، وهذا معنى الظلم.
  وقد ثبت أن العبث والظلم قبيحان، والله تعالى لا يفعل القبيح؛ فبطل بذلك تمثيله بالعبد الذي طلب من سيده شربة مع شدة عطشه، فقال: لا أسقيك حتى أقطع يديك ورجليك؛ فهذا تمثيل مستحيل في الصورة والمعنى.
  أما في الصورة: فإنه يوفي على الضرر أضعافاً مضاعفة بحيث لا يختلف العقلاء في اختيار الألم بحصول ذلك العوض، كما لو قيل: أدخل في رجلك هذا القدر اليسير من الشوكة وأعطيك ألف مثقال ذهباً، وكان في إدخال ذلك القدر(١) أيضاً غرض آخر، وهو أن يكون عذراً له عند الظالم فلا يحمله على فعل القبيح؛ فإن إدخال ذلك القدر يتناهى في الحسن بخلاف تمثيله بسقيه شربة ماء ويقطع يديه ورجليه، ولولا جهله بهذا الفن لَمَا أورد ما أورد من الأمثال، وهذا ظاهر لمن تأمله.
  وأما قوله: «مثال آخر: أليس الواحد منا إذا خلى بين عبيده وإمائه في دار واحدة يزني بعضهم ببعض، ويظلم بعضهم بعضاً، وهو ناظر إليهم وقادر على التفريق بينهم، فلم يفعل ذلك، بل أمدهم بالمال وأنواع الأطعمة التي تهيج
(١) قال ¦ في التعليق: لعلَّ هذا وجه الاستحالة في التمثيل من جهة المعنى، وهو أنه لم يقترن به غرض يدفع العبث بخلاف الألم من الله تعالى فإن فيه الغرض الكامل.