كتاب الشافي،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[حجية العقل]

صفحة 576 - الجزء 2

  شهواتهم، أيكون هذا الفعل منه قبيحاً؟ والله سبحانه قد خلق في هذه الدار عبيداً وإماءً ركب فيهم الشهوات، وأحدث لهم الآلات، ثم نهاهم عن الفساد فصاروا يتسافدون ويتظالمون، وهو تعالى يسمع ويرى مع قدرته تعالى على إصلاحهم».

  فالجواب: أن مثاله هذا مباين للتكليف؛ لأن الواحد منا يستضر بما يدفعه إلى خدامه وينتقص بفواته والله سبحانه غني لا تجوز عليه الحاجة.

  وأما تخليته لعباده من دون منع من القبائح الواقعة منهم، وهو سبحانه يسمع ويرى - فالجواب: أنه سبحانه قد نهى عن فعلها ووعد على تركها بأن من منع النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى؛ فكان نهيه تعالى زاجراً للعقلاء متى تدبروا ذلك على وجه يبقى معه التكليف، ولو أحب سبحانه منعهم لقدر عليه، لكن ذلك يكون إلجاء وإبطالاً للتكليف لإبطال شرطه وهو التمكين من الفعل وضده ليفعل الواجب لوجوبه، ويترك القبيح لقبحه.

  وعلى أن الواحد منا يلحقه الغم والأسف بما يصل إليه من عبيده وغيرهم من الأذية وفوت منفعة المال الذي يذهب عليه في ذلك، وذلك كله مستحيل في حق الله تعالى؛ لأنه تعالى لا يجوز عليه المنافع والمضار، ولا الغم والألم، وهو سبحانه غني عن كل شيء فلا يشبه مسألة التكليف ما قدره.

  على أن مورد هذه الأسئلة اعترض فيها على النقيضين من النفي والإثبات؛ لأنه اعترض على من أهمل عبيده، واعترض على من كلفهم الامتثال لأمره.

[حجية العقل]

  وأما قوله: «وهذه الأمثلة إنما سلكنا فيها مسلك استحسان العقل واستقباحه؛ ليتبين لمن خالفنا فساد أصله، والصحيح أنه لا مدخل للعقل في باب التحسين والتقبيح؛ فإياك ثم إياك يا مسكين أن تقيس الخالق على المخلوقين، وكيف يقاس المالك الآمر على المملوكين المأمورين؟!».