كتاب الشافي،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[حجية العقل]

صفحة 577 - الجزء 2

  فالجواب: أنه أخطأ في تقوية مذهبه بما يورده أهل التشكيك والتعطيل من الملحدين كابن الراوندي اللعين، فإنه يورد من هذه الأسئلة في كتابه الذي سماه (نعت الحكمة) وأجابه عليه بعض أهل العدل والتوحيد، وهو عندنا وسواه.

  وإذا كان الفقيه لا يخبا غضبه إلا بالحميم، لم يزده ذلك إلا تقطيع أمعاء قبل نار الجحيم، وكيف يدعي نصرة الإسلام من يستعين على ذلك بزعمه بأقوال المبطلين له، القاصدين لإفساده؛ لولا الخذلان، نعوذ بالله منه.

  وعلى أنا قد بينا أن العقل حجة؛ لأن به يعلم وجوب أمور، وحسن أمور، وقبح أمور، وهذا هو معنى الحجة؛ بل دللنا على أن حجة العقل متقدمة على السمعيات أجمع، ونبهنا على ذلك في جمل مسائل الأصول بما إن نظر فيه مع التوفيق وقع على قصد الطريق.

  وأوضحنا أنه لا يصح له الاستدلال بالسمع مع إبطال دلالة العقل فما يبقى في يده والحال هذه، وعلى أنه أورد ذلك من طريق العقل بزعمه؛ فإن كان العقل حجة بطل مذهبه، وإن كان غير حجة بطل ما مثل به؛ فليختر أصلح الأمرين، فإن الجمع بينهما محال.

  على أنا لو سلَّمنا أن السمع أصل ودلالة؛ فليس فيه ما يدل على أن العقل ليس بحجة، وأنه لا يعرف به شيء من الأشياء⁣(⁣١)، بل فيه ما يدل على متابعة العقل فقال تعالى: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ٢٤}⁣[محمد]، وقال سبحانه: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ٤}⁣[الرعد]، (ولقوم يفقهون، وللمتوسمين) و {هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ ٥}⁣[الفجر]، {أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ}⁣[الأعراف: ١٨٥]، {أَوَلَمْ


(١) قال رضوان الله عليه في التعليق: الظاهر أن الأشاعرة إنما يمنعون من إدراك العقل لحسن أو قبح، لا أنه لا يدرك به شيء، والله أعلم. والفقيه قال: لا مدخل للعقل في التحسين والتقبيح. فلعلَّه على جهة الإلزام من الإمام #. تمت.