كتاب الشافي،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[دعوى الفقيه أن الآدمي محل لفعل الله ومحل لمقدوره والرد عليها]

صفحة 10 - الجزء 3

  يلزم المجبرة، وإذا وجد ما يظن فيه إلزاماً على مذهب المجبرة احتج به.

  وأما قوله: «ولا استدل أيضاً على أن إبليس ولا غيره قادر على خلق أفعاله، وإنما يتكلم فيما لا يعلم».

  فالجواب: أن الدلالة التي دلت على أن أفعال العباد منهم دون الله تعالى، لم تفصل بين حشوي جهمي أو كرامي، وبين أشعري أو نجاري أو كلابي، أو غيرهم؛ لأن الدلالة تنتظم الجميع من المنكرين، كما تعم إضافتها إلى فاعليها من دون تعيين بين آدمي أو شيطان أو غيرهم، فما هذه المغالطة التي لا تخفى على من له أدنى مُسكة من عقل؟

  ثم قال: «وأما قوله [أي محيي الدين]: لا يصح مقدور من قادرين، وكذا فعل من فاعلين؛ فنقول: إذا كان فاعلين بمعنى واحد، وقادرين بمعنى واحد، فذلك هو الممتنع، وأما إذا كانا على وجهين مختلفين، فلا يمتنع ذلك».

  فالجواب: أن الذي يتعلق بالقادر والفاعل هو الحدوث، ولا معنى سوى ذلك، فكيف يوهم بقوله: بمعنى واحد وأما على وجهين فلا يمتنع؛ فليت شعري يتصور المعنى الثاني غير الحدوث⁣(⁣١)، فإن ظن أن الكسب معنى غير الحدوث فقد أبطلناه، وإن كان بمنزلة جهم من جهتين كما قدمنا.

[دعوى الفقيه أن الآدمي محل لفعل الله ومحل لمقدوره والرد عليها]

  وأما قوله: «وبيانه أن الآدمي محل لفعل الله، ومحل لمقدوره، فلا تمانع بين الله وبين عبده؛ لأن الله تعالى فاعل مخترع، وقادر محدث، والآدمي محل لذلك، فأين التمانع؟».

  فالجواب عن سؤاله: أنه إن أراد أن العبد فعل الله، وفعله أيضاً فعل الله، ومع ذلك هو فعل للعبد؛ لأن الله تعالى فعله اختراعاً وفعله العبد بآلته -


(١) قال ¦ في التعليق: يريد الفقيه أن المقدور بين قادرين يمتنع إذا كان من جهة واحدة بأن يكون خلقاً لهما، وذلك لو فرض أنهما قادران بالذات، أو بأن يكون كسباً لهما كما في العبيد، وأمَّا إذا كان المقدور بينهما من جهتين كما بين الله والعبد فلا يمتنع؛ لأنه بزعمه مقدور لله من حيث خَلَقَه، وللعبد من حيث كَسَبه، ولكن عبارة الفقيه لا تؤدي هذا المعنى، فأجاب الإمام بجواب على وفق ظاهر عبارته.