كتاب الشافي،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[دعوى الفقيه أن الله فاعل بمعنى وأن العبد فاعل بمعنى آخر والرد عليها]

صفحة 11 - الجزء 3

  فالجواب: أن هذا الفصل لا يخلصه؛ لأنا قد بينا أن مقدوراً بين قادرين محال، سواء حصل الفعل مخترعاً أو بقدرتين، ولهذا لو جوز وجود ثان مع القديم تعالى لكان مخترعاً أيضاً، ولم يمنع من دلالة التمانع، فإن أراد هذا فما فائدة اتحاد المحل، إذا كان الفعل واحداً؟

  وإن أراد أن فعل الله تعالى يوجد في محل فعل العبد فذلك جائز، فإن اللون فعل الله تعالى، وهو يوجد في محل الحركة، التي هي فعل العبد، ولكن لا فرج له في ذلك، ولا فيه معنى يتحصل حتى يقول: فأين التمانع.

[دعوى الفقيه أن الله فاعل بمعنى وأن العبد فاعل بمعنى آخر والرد عليها]

  وأما قوله: «وما ذكرت من المحال، لولا التمويه والضلال، وهذا كما نقول: قتل الأمير فلاناً، ويقال: قتله الجلاد، ولكن الأمير قاتل بمعنى، والجلاد قاتل بمعنى آخر؛ فكذلك العبد فاعل بمعنى، والله فاعل بمعنى آخر؛ فمعنى كون الله فاعلاً أنه المخترع الخالق الموجد، ومعنى كون العبد فاعلاً أنه المحل الذي خلق الله تعالى فيه القدرة بعد أن خلق فيه الإرادة، بعد أن خلق فيه العلم، وارتبطت القدرة بالإرادة، والحركة بالقدرة، ارتباط الشرط بالمشروط، وارتبط بقدرة الله تعالى ارتباط المعلول بالعلة⁣(⁣١)، وارتباط المخترَع بالمخترِع، وكل ما له ارتباط


(١) قال ¦ في التعليق: يؤخذ من هذا أن قدرة الله عند الفقيه موجبة للمقدور؛ فيبطل اختيار الصانع، على ما فيه من المناقضة؛ إذ حقيقة القدرة تنافي الإيجاب؛ إذ المعلول لا يتخلف عن علَّته، والمقدور قد يتخلف، بل لا بد من تخلفه على الجملة وإلا اجتمع النقيضان وهما الجائزان، وذلك محال، فكيف يجعل المحال واجباً؟! هذا خلف.

نعم، قد تقرر أنه لا تأثير للشرط وإنما يتوقف عليه تأثير المؤثر، وهنا صرح الفقيه بأن الحركة مرتبطة بقدرة الله ارتباط المعلول بالعلَّة، فتكون قدرة الله هي العلَّة المؤثرة فيها.

وقوله: (وارتبطت بقدرة العبد، والقدرة بإرادته ارتباط الشرط ... إلخ) يقضي بأنه لا تأثير لهما في الحركة وإنما هما شرط لتأثير قدرة الله. ومن هنا يتضّح أن الأشعري لم يتخلّص عن مذهب جهم، وإنما هي مراوغة؛ إذ كون إرادة العبد شرطاً وكذا قدرته لتأثير قدرة الله لايفيد صحة نسبة الفعل من الحركة وغيرها إلى العبد إلا تجوزاً، كما يقال: الإحصان أثر في الرجم، وهل هذا إلا مذهب جهم، وإنما الإختلاف في العلاقة فقط؟ على أن الفقيه انتقل إلى جعل إرادة العبد وكذا قدرته شرطاً لاختراع الله =