[الفرق بين إرادة الإجبار وإرادة الاختيار والرد على شبهات الفقيه]
  والمريد منا متى أراد من غيره الفعل على هذا الوجه، فحكمه في أن لا يلحقه النقص بانتفاء مراده حكم القديم تعالى، ولهذا فإن جماعة المسلمين متى أرادوا من ذمي ضعيف ترك الاختلاف إلى الكنيسة فلم يقع، بل وقع منه الاختلاف، فإنه لا يجب أن يلحق المسلمين بذلك ضعف ولا نقص، وهذا بخلاف إرادة الفعل أو الترك على وجه الإلجاء والقهر والإجبار، فإنه متى لم يقع يدل على ضعف المريد وعجزه، ويجري مجرى أن يريد فعل نفسه فلا يقع.
  وقد ذكرنا السبب الذي لأجله لا يحصل الفعل، وأنه إما لكونه غير عالم بكيفيته، وإما لفقد الآلة التي يحتاج ذلك الفعل إليها، وإما لمنع من هو أقدر منه، وإما لتعذر فعل سببه عليه، وهذه الموانع لا تجوز في حق الله تعالى، فالواجب فيما يريده من فعل نفسه، أو من فعل غيره على حد الإلجاء أن يوجد، وإلا انتقض كونه قادراً، وهذه العلة غير حاصلة فيما يريده من فعل غيره لينتفع الغير به، فلا يمتنع أن لا يوجد، ولا يجب فيه وجه من هذه الوجوه.
  وأما قوله [أي فقيه الخارقة]: «وأجمعنا أن وصف الباري بالمكنة والاقتدار أولى من وصفه بالنقص» وذكر مثاله في المعلومات والمرئيات والمسموعات - فذلك كله صحيح، ولكن ليس له في ذلك دلالة، على أنه تعالى لو أراد طاعة عباده اختياراً فلم تقع، لدل على ضعفه ونفي صفة الكمال عنه تعالى، بل بينا أن ذلك لا يدل في حق المخلوقين على النقص لهم، فكيف فيمن لا تجوز عليه الغلبة والقهر، والنفع والضر، وزيادة القوة، وحدوث المسرة وزوال الغم؟ كما فصلناه قبل هذا.
  وأما قوله [أي فقيه الخارقة]: «فإن قالوا: لو لم يتم ما أراده منهم على سبيل الإلجاء، لدل ذلك على عجزه عن فعل سبب يلجئهم به إلى الإيمان، من ترهيب وإحضار نكال، وغير ذلك، والعجز عليه غير جائز.
  قيل لهم: لو لم يكن ما أراده من إيمانهم طوعاً واختياراً، لدل ذلك على عجزه