كتاب الشافي،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[انتقاد الفقيه لما لا غرض فيه والرد عليه]

صفحة 180 - الجزء 3

  ولكن الكلام كلام جاهل بحال نفسه، فكيف يعلم أحوال العلماء وأقوالهم، وإن من العجائب نقصه لعمرو بن عبيد؛ فإن كان مصححاً في اعتقاده إمامة بني العباس، فلينظر فعال إمامه أبي جعفر مع عمرو بن عبيد؛ لما علم بقدومه خرج إلى بيت قد فرشه باللبود، وأذن له وعانقه وعظمه، وعرض له مالاً فكرهه، فقال:

  كُلّنا نَمْشِي رُويد ... كُلُّنا نَطْلُب صَيْد ... غيرَ عَمرِو بنِ عُبيد

  قال أبو القاسم البلخي: لعمرو بن عبيد فضائل كثيرة لا يجمعها إلا كتاب مفرد، حج أربعين سنة ماشياً، وبعيره يقاد، يركبه الضعيف والفقير والمنقطع، وكان يحيي الليل كله في ركعة، فعل ذلك غير مرة في المسجد الحرام.

  وقال المنصور: ألقيت للناس الحب فلقطوا، إلا عمرو بن عبيد ومعاذ بن معاذ، ثم إن معاذ أثنى جناحه فلقط.

  وقال بعضهم: رأيت عمراً بمكة، فرأيته كأنه حديث عهد بمصيبة، ثم رأيته بمنى فرأيته كأنه أحضر للقود⁣(⁣١)، ثم رأيته بعرفة فرأيته رجلاً كأن النار لم تخلق إلا له.

  وهو مشهور في الإسلام عموماً، تضرب به الأمثال في العلم والصلاح، ولا نعلم أحداً جهل ذلك، إلا الفقيه ومن كان على مثل رأيه، ممن لا يبالي بالمباهتة والخزي في الدنيا والآخرة، هذا رواه لنا الفقيه تاج الدين البيهقي، إجازة عن تاريخ الطبري، بعد صحة روايته عنه.

  وأذكرتنا إشارته إلى ذم عمرو بن عبيد قول الله تعالى: {بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ}⁣[يونس: ٣٩]، فليت شعري ما حمل الفقيه على هذا الكلام، وأما نحن فنعتزي إلى من يجب على عمرو بن عبيد وغيره اتباعهم من آبائنا الطاهرين.


(١) القوَد: القصاص. تمت معجم.