كتاب الشافي،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[دعوى الفقيه تكليف أبي لهب ما لا يطاق والرد عليها]

صفحة 202 - الجزء 3

  الكفار الذين علم الله تعالى أنهم لا يؤمنون، وكما أن ذلك لا يمنع من الإيمان، وأنه حسن لا قبح فيه، كذلك ما هنا.

  وأما قوله [أي فقيه الخارقة]: «فقد أمره بأن يصدقه بأنه لا يصدقه⁣(⁣١)».


= هو إلى المفسدة أقرب، ويكون هذا تخصيصاً لما تقرر أنه يجب التصديق بكل ما نزل في حق أبي لهب، على أنه لا يجب التصديق إلا بما بلغ المكلف. ومن أين بلغه أنه لا يؤمن، بل يحكم بأنه لم يبلغه لعدم الغرض في تبليغه؟ فلم يبق إلا أنه كلف بالإيمان، وهو قادر عليه كما قدر على الكفر، فمن قدر على الحركة قدر على السكون، وإن لم يقع منه إلا أحدهما فإن وقوع أحد الجائزين لا يحيل الآخر وإلا كان في ذلك قلب حقيقة الجائز وأنه محال، فتأمل، والله أعلم. وممَّا يدل على أن المقرّر من أنه يجب التصديق بكل ما أنزل الله ليس على ظاهره، بل مخصوص، أنه قد ينزل الله خبراً عن فعل قوم من كفر أو إيمان ولا يصح أن يقال: إنه تعالى كلف أولئك بالتصديق بذلك لكونهم عالمين بذلك ضرورة، فكيف يؤمرون بتحصيل الحاصل؟ فإن طلبه عبث، فلا يفعله تعالى.

ثم إنَّا لا نُسلم أنه نزل في أبي لهب أنه لا يؤمن. وأمَّا قوله تعالى: {سَيَصْلَى نَارًا} ... إلخ [المسد: ٣]، فهو خبر مشروط بعدم الإيمان والتوبة؛ فإن المعلوم من دين محمد ÷ تقييد آيات الوعيد بالتوبة كما قال تعالى: {وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا ٦٩ إِلَّا مَنْ تَابَ} ... إلخ [الفرقان: ٧٠]، وسائر الآيات المقيدة لآيات الوعيد بالتوبة [وأيضاً ليس في قوله تعالى: {سَيَصْلَى نَارًا} دليل على أنه لايستطيع الإيمان؛ لجواز أن يؤمن ثم يرتد أو يفعل بعض الكبائر فعلمت أنه لم يكلف بما لايطاق بل بالإيمان، وهو جائز منه وليس بمحال، فتأمل].

(١) قال رضوان الله عليه في التعليق: أقول: استدلال الأشاعرة بهذا ضعيف جداً، وإنما أوهموا أن في أمر أبي لهب بأن يصدق بأنه لا يصدق تنافياً وليس فيه ما يفيد ثبوت تكليف ما لا يطاق بحال. أمَّا أولاً: فهو مبني على الإخبار من الله بأنه لا يؤمن أبداً، وأنه يبقى على الكفر لا محالة، وهذا لم يقم عليه دليل قاطع. وأمَّا قوله تعالى فيه: {سَيَصْلَى نَارًا} فهو مقيد بأن لا يؤمن ولا ينيب كما في آيات وعيد العصاة، مثل: {وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا ١٠}⁣[النساء]، في آكلي أموال اليتامى، فإنه معلوم من دين محمد ÷ أن الآية في معنى إلا أن يتوبوا كما قد صرح بالتقييد في القرآن، مثل قوله تعالى بعد ذكر أنواع من المعاصي: {وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا ٦٩ إِلَّا مَنْ تَابَ} ... إلخ.

فمن أين لنا دليل قاطع على أن الله أراد أن يعلمنا أن أبا لهب يصلى النار لا محالة، وأنه يبقى على الكفر إلى موته؟ هذا دونه خرط القتاد ولن يوجد أبداً، وإنما علمنا كونه من أهل النار لعلمنا بأنه مات مصراً على الكفر لا بظاهر الآية.

وأمَّا كونها وردت في وعيد معين؛ فالتعيين لا يمنع من تقييدها بعدم الإيمان على القطع، كيف ولو =