[دعوى الفقيه تكليف أبي لهب ما لا يطاق والرد عليها]
  فالجواب: أنه تغليط ممن يورده، لأنه تعالى أمره بأن يصدقه فيما أخبر به على الجملة، وتفصيله: أن الله تعالى تعبده بأن يصدق النبي ÷ بأنه لا يؤمن لسوء اختياره، مع التمكن من الإيمان، وكذلك أخبر الله تعالى نبيه بأنه لا يؤمن
= صرح بالقيد فيه لم يمتنع، ولا محذور لو قال تعالى إلا أن ينيب؟ فكيف يقطع على أنه أراد تعالى الإخبار عن عاقبة أمره في موضع الإحتمال وقد علمنا تقييد آيات الوعيد بأسرها بعدم التوبة وهو يصلح في حق أبي لهب هذا تبخيت!
ثم لو فرضنا قيام دليل قاطع على أن المراد بالآية بيان أنه لايؤمن على كل حال، فلا يُسلم أن الله كلف أبا لهب بأن يؤمن بأنه لا يؤمن، وبأي دليل.
وقولهم: يجب التصديق بما أنزل الله، وهذا ممَّا أنزل الله؟ فلا نُسلم أنه على ظاهره، وإنما هو فيما يصح فيه التكليف ولم يمنع منه مانع. ألا ترى أن ممَّا أنزل الله إخباراً عن المنافقين: {يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ} ... إلخ [الفتح: ١١]، أفتقول: إن الله كلفهم بأن يصدقوا بأنهم يقولون ذلك وهم يعلمونه قبل نزول الآية ضرورة فيكون الله تعالى قد كلفهم تحصيل الحاصل، وهو عبث [محال]، وقد ثبت أنه حكيم؟ فكما أن هذا مخرج من قولهم: يجب التصديق بكل ما أنزل الله، فكذا قولهم: إن أبا لهب مكلف بالإيمان بأنه لا يؤمن، نقول: هو مخرج كذلك لقيام المانع من تكليفه به، وهو أنه قد ثبت أنه حكيم فلا يكلف إلا لغرض، وهو في حقه محال، فلا بد أن يرجع إلى المكلف وليس إلا لنفع يعود إليه أو دفع ضرر أعظم من مشقة التكليف، والغرض في حق أبي لهب منتفٍ قطعاً؛ إذ لا غرض يعود عليه من تكليفه بأن يؤمن بأنه من أهل النار لا محالة وأنه لا يؤمن، بل يكون مثل هذا من الإغراء بفعل القبائح مع الإياس من السلامة من العقاب.
ألا ترى إلى حديث ابن عباس من رواية الطبراني أن رسول الله ÷ لَمّا دعا وحشياً قَاتِلَ حمزة إلى أن يسلم، قال له: (كيف تدعوني وأنت تزعم أن من قتل أو زنا أو أشرك يلقَ أثاماً؟! فهل تجد لي من رخصة؟ ... إلخ) كيف فهم بفطرته أنه لا ثمرة لدعائه إلى الإسلام مع القطع بعقابه، وقرّر على ذلك، وأنزل الله رخصة التوبة.
فمن هنا يقضي العقل بأنه غير مكلف بهذا كما أنه يقضي بأنه مَنْ علم مدلول الخبر النازل قبل نزوله أنه غير مكلف بالعلم به والتصديق بمدلوله لِمَا كان في ذلك من طلب تحصيل الحاصل وأنه عبث.
ثم ولو قلنا: أن ثَمَّ غرض فلا تنافي؛ لأن أبا لهب مأمور بأن يؤمن بما جاء من عند الله، فإذا لم يُجب فكفره باختياره؛ فإذا علم الله أنه يختار الكفر إلى موته فأعلمه بذلك وكلفه بالإيمان بما أعلمه فهو قادر أيضاً على الإيمان والعلم بأنه لا يؤمن، فإن صدق بهذا لم ينفعه، وإن لم يصدق فغايته تعدد أنواع كفره، فأي دليل على أن مثل هذا لا يطاق؟! هذا ما سنح، والحمد لله.