كتاب الشافي،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[دعوى الفقيه أن خبر الغدير لا يراد به الإمامة والرد عليها]

صفحة 391 - الجزء 3

  وجه دلالته؛ حكم بصحة مدلوله، استدل به أحد قبله، أو لم يستدل به أحد.

  والفقيه أعرض عن هذا لقلة معرفته بوجوه الاستدلال بالخبر على إمامته #، فأقبل يشتغل بما لا يخلصه من إلزام الحجة، ولزوم المحجة، لأن ترك الاستدلال بالدليل المعين مع قيام غيره مقامه، أو من دون استدلال أصلاً لا يخرجه عن كونه دليلاً على الأحكام، ولم يخرجه عن كونه دليلاً عليها ترك الاستدلال به؛ فكيف يجعل ترك علي # الاستدلال بالخبر دلالة على أنه ليس بدليل⁣(⁣١)؟

  على أنه يقال له: أما على الجملة فقد وقع التنبيه على الأدلة، وعلى وجه دلالتها، على الوجه اللائق بتلك الحال، وعظم خطر إظهار الخلاف، لما جرى


(١) قال ¦ في التعليق: لا زال مَن به ميل وانحراف يُوَعْوِعُ بقوله: لو كان علي إماماً بالأدلة لأظهرها وبيَّن، ونحو ذلك من الاعتراض الذي ينبيء عن مرض أو قلة معرفة، فإنه لا يخفى على ذي لب ومسكة من علم أنه إذا قامت الأدلة على إمامة علي # أنه لا يقدح فيها تجويز أنه لم يذكرها؛ إذ لا قطع بذلك. فموجب العلم والفقه أن نقول: إن ثبت أن علياً قد ذكر تلك الأدلة ونهى عن مخالفتها فلا كلام، وإن لم يُروَ عنه ذلك حكمنا بأنه لم يترك إلا لعذر يوجب سكوته عن ذكرها، وإذا ثبت وجوب التأويل لآحاد المؤمنين فكيف لا يتأول لأميرهم مع ثبوت عصمته: بأنه إن ثَبَتَ سكوتُه [عن ذكرها] فهو إمَّا لأنه قد علم بأنهم عالمون بتلك الأدلة، وقد علم من حالهم عدم المبالاة بها، منافسة في الأمر من بعضهم، وحَسَداً له من بعضٍ، وحقداً من بعضٍ، وأمَّا العامَّة فهمج رعاع أتباع كل ناعق، فإذاً لا فائدة في تعريفهم بما هم به عارفون.

وإمَّا أنه خشي من وهن الإسلام لو أظهر للعوام في مقامات مشهورة، وبيَّن لهم بالأدلة أنه الإمام، وأن من ابتزه مخالف لكتاب الله وما قال به محمد ÷. لا جرم أنه لو لَجَّ في ذلك لأدى إلى المشاقة وفساد ذات البين وفي ذلك فساد عظيم مع نجوم رِدَّة العرب. وقد أشار إليه # بنحو: (لولا مخافة الفرقة وأن يبور الدين، لكنا لهم على غير ما كنا)، وإذا لم يصح أن ثَمَّ عذراً يسوغ له السكوت وعدم المنازعة، حكمنا لأجل عصمته، وقطعنا بأنه قد بيَّن ولم يكتم، وأنه قد فعل ما يجب عليه من الإبلاغ والنهي عن المنكر؛ إذ لا قطع بقدم بيانه ونهيه لمن يجب عليه نهيه والبيان له، ومن ادعى القطع فقد باهتَ. ولم يثبت عصمة غيره من الصحابة، ولم يدل دليل على استحقاقهم للخلافة؛ بل دلَّت الأدلة على إمامة علي، فكيف يسوغ القدح من ذي علمٍ في الأدلة بسكوته # مع تجويز العذر له والحامل على السكوت ومع عدم القطع بسكوته، بل قد روي عنه المحاججة، والتجرُّم، والحكم بأنهم قد عرفوا أنه أحق بها وأهلها.

بل قد روي عنهم الإقرار بذلك، وإنما يتعللون ببوارد: من صغر سنه، وحبِّه بني عبد المطلب. فلا يقدح بمثل هذا إلا من أصابه عمى في بصيرته، والله المستعان.