كتاب الشافي،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[دعوى الفقيه أن خبر الغدير لا يراد به الإمامة والرد عليها]

صفحة 392 - الجزء 3

  منهم من العقد لأبي بكر، فإن بيان وجه الدلالة على التفصيل يؤدي إلى المشاقة، وافتراق الكلمة، وتشتت شمل المسلمين، وتلك حال يجب فيها لَمُّ الشمل ما أمكن، لعظم المصيبة بموت النبي ÷، وظهور الردة ممن ارتد، ونجوم نفاق المنافقين، وخشية انشقاق عصى المسلمين.

  فكان في تفصيل دلالة ما يُسْتَدَّل به ما هو كالتصريح، بأن أبا بكر ليس بإمام، وأن العقد له بالإمامة خطأ، وأن الراضي بذلك مخطئ.

  ومعلوم أنه لو وقع الأمر كذلك، لم يُؤْمَن منه شيء مما ذكرنا، فلهذا عمل علي # ما يسعه العلم والدين، واستبقى حال الإسلام والمسلمين، وذلك هو الواجب عليه، لا ما قاله الفقيه من التبيين، الذي يتفاقم معه الأمر، وتنحل عروة الجماعة، أو بعضهم عن الإسلام.

  ولو عرف الفقيه أن شروط الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، خمسة منها: أن لا يؤدي إلى تضييع واجب أعظم مما أمر بفعله، أو ارتكاب منكر أعظم مما نهى عنه، لما أورد كلامه هذا.

  وإنما فعل # من ذلك ما يجب على الوجه اللائق بالعلم، وعلى حصول مراتبه الواجبة أيضاً، فإن مراتب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أربع، لا يُجَاوز أدناها مع حصول الغنية به عن أعلاها، ففعل علي # في كل وقت من أوقات الخلفاء، ومن بعدهم؛ ما يقتضيه علمه الثاقب، ورأيه الصائب، فاستعمل القول اللين في وقت، وتعرض بالقول الخشن في وقت، وأطلق القول الحسن في وقت، واستعمل السوط بل السيف في وقت.

  وفي كل وقت من هذه الأوقات ما تعدى الواجب بزيادة عليه، ولا إخلال به؛ إلا لعدم التمكن الذي يكون عذراً له عند الله تعالى، وساعد # في أوقات على ما لا يرى جوازه لو كان متمكناً من الامتناع، لكن دعت الضرورة إليه بعد الامتناع أولاً.