كتاب الشافي،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[بيان أن هارون لو بقي حيا بعد موسى لكان الخليفة]

صفحة 477 - الجزء 3

  والأحوال كما كانت عليه ولم يبعث الله نبياً آخر؛ لكان أولى بمقامه من كافة الناس، وكان تقدير صرف هارون # عن أمر تولاه واستند إليه يؤدي إلى التنفير عن الأنبياء $، من حيث عقد عقداً نقضه الله تعالى.

  وأما في حق هارون # فمن حيث أنه يوهم أنه لم يكن أهلاً لذلك، أو كان أهلاً ثم ظهر منه ما يوجب عزله وصرف ملك التصرف إلى غيره.

  وأما في حق نبينا محمد ÷ فمن حيث شبهه بما لا يستقر، مع أن التشبيه الواقع في الخبر عام بقوله: «أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي» فوقع الاستثناء للنبوة، دون ما عداها من سائر المنازل، ومن جملتها ملك التصرف في أمته، بل يكون في ذلك إضافة قبيح إلى الله تعالى، لأن أنبياء الله لا يفعلون ما هو أصل في الدين والشرع، بل فيما يتعلق بالدعاء والمسألة؛ إلا بأذن من الله تعالى، فكيف يقدر خلاف ذلك، وهل هذا إلا كالقول بالبَدا⁣(⁣١) إن كان بتحقيق أذن، أو التلبيس إن كان بإيهام أذن الله، تعالى عن ذلك.

  وعلى أنه لو لم يكن هذا التقدير محققاً، وقد ثبت له جميع منازل هارون من موسى ثم جوزنا أن هذا المقدر غير داخل تحتها على بعد ذلك؛ وجب ثبوتها لعلي # بعد موت النبي ÷ لأن كل من قال باقتضاء الخبر لثبوتها لأجل عمومه لعلي # قال بثبوتها له بعد موت النبي ÷.

  والفقيه إنما أنكر أن يكون من أهل هذا الإجماع، لأنه يقول بثبوت التشبيه


(١) قال الإمام المنصور بالله القاسم بن محمد @ في كتاب الأساس ص (١٤١/ ط ٣): البدا لغة: الظهور، واصطلاحاً: رفع عين الحكم المأمور به مع اتحاد الآمر والمأمور به، والقول والفعل، والزمان والمكان لغرض تنبّه له. ولا يجوز البدا على الله تعالى خلافاً لبعض الإمامية.

وقال القاضي عبدالله بن محمد بن حمزة بن أبي النجم في كتابه (التبيان في الناسخ والمنسوخ) ص (٢٠): والفرق بين النسخ والبداء أن البداء ما يجمع شروطاً وهي: أن يكون الآمر الناهي واحداً، والمأمور المنهي واحداً، والفعل والوقت واحداً؛ فإذا اختل واحد منها فهو نسخ. وقد أطبقت الأمة أن البداء لا يجوز على الله إلا الرافضة ولا يعتد بخلافهم. انتهى.