كتاب الشافي،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[وجه الشبه بين حديث المنزلة وقول القائل: هذه الدار لفلان بعدي]

صفحة 483 - الجزء 3

  وبيان ذلك: أنه قال: فأين قول القائل: هذه الدار لفلان بعدي من استخلاف النبي ÷ علياً على المدينة. والمعلوم أنا ما أردنا بلفظة (بعدي) إلا تصحيح أنها تحمل على ظاهرها وهو بعد الوفاة، دون حال الغيبة، ودون أن يريد بعد نبوتي، فظن الفقيه أو لبس على أنه جواب الاستخلاف، وهو مثال، فإن لفظة بعدي تفيد بعد الوفاة، لولا الجهل بمواقع الاستدلال، أو التلبيس في الأقوال والأفعال.

  وأما قوله بعد ذلك: «أو فلان شريكي في هذه الدار، أين ذلك من استخلاف النبي ÷ علياً على المدينة؟».

  فالجواب: أن كلامه هذا مثل الأول في أنه عدول عن موضع الاستدلال، فإنه لما حمل قوله #: «إلا أنه لا نبي بعدي» على أن المراد بعد نبوتي؛ وقع له الجواب على أن حمله على ما بعد النبوة مجاز، وأن حمله على ما بعد الوفاة حقيقة؛ لأنه السابق إلى الأفهام.

  وإن جاز أن يراد به بعض أحواله التي منها النبوة، فلا يجوز العدول إليه لمجرد الاحتمال مجازاً، إلا لدلالة تصرف اللفظ عن حقيقته، ووجه ترجيح لبعض المحتملات من المجاز على بعض، وجعلنا المثال فيما ذهبنا إليه من ذلك قول القائل: فلان شريكي في هذه الدار، كما أن فلاناً شريك لفلان في داره، فإنه يعلم حصول التشبيه في الشركة، وإن كان الوجه مختلفاً، كأن يكون شريكه الآخر بالهبة، وشريكه المشبه به بالإرث، أو غيره.

  فذهب الفقيه بجهله عن جميع ما ذكرنا، أو نسي جملة ما وقع فيه الكلام المقتضي لهذه الجملة قبله، فأقبل على السب الذي هو عادته، والإزراء بما هو سجيته وطريقته، وتوهم أن قصد مورد الكلام، التلبيس على العوام، ولو قلب القضية لأصاب، ومعرفة ما ذكرنا يختص بها أولو الألباب.