كتاب الشافي،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[مناقشة الفقيه في سكوت علي # وأحقيته للخلافة وحاله في زمن الخلفاء]

صفحة 626 - الجزء 3

  والجرأة ما ليس عند بشر، وقد غلبوا ولببوا وهربوا من أعدائهم وعذبوا، ولم يقدح ذلك في شجاعتهم ولا رباطة قلوبهم، بل هم أفضل الناس في ذلك - سلام الله عليهم -.

  وأما أنه لا يصبر على الذل، ولا يحتمل الضيم، فهو أصبر الناس على ذلك لله ø، وقد قدمنا الكلام أنه ما أمسك إلا محاذرة من ذهاب الإسلام، واستئصال شأفته دفعة لما نجم من النفاق، وظهر في الأرض من الردة، فرأى ترك القتال في مسألة الإمامة، وهي مسألة من ثلاثين مسألة من مهمات الدين أقرب إلى رب العالمين، فكان إغضاؤه نظراً، وصبره حلماً وعلماً.

  ولئن طردنا قولك ليتصلن الذم بأنبياء الله –شرف الله مقامهم - من قبلك، ونبرأ إلى الله من ذلك؛ لأن فرعون - لعنه الله - قال لموسى #: {أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ ٥٢}⁣[الزخرف]، وهرب منه موسى # في ستمائة ألف من بني إسرائيل، وموسى # في ساقتهم⁣(⁣١) في ستين ألفاً انتخبهم لذلك، لا يعد ابن العشرين لصغره، ولا ابن الستين لكبره.

  فانظر في هذه الأمور أيها العلامة! وقل في أنبياء الله ما شئت؛ فأما أئمة الهدى من ذرية الأنبياء فقد قضيت منهم وطراً، إن كان لك من لحومهم ري أو شبع، وهيهات من ذلك، تأبى عليك الموالد المنافية لولائهم:

  فَأنَّى رَأَيْتَ مُحِباً لَهُمْ ... فَثَمَّ التُّقَى وَثَمَّ الوَقَار

  وأَنَّى رأيتَ بَغِيْضاً لَهُمْ ... ففي أصْلِهِ نَسَبٌ مُسْتَعَار

  فَلا تَعْذِلُوهُ على فِعْلِهِ ... فَحِيْطَانُ بِيْتِ أبِيْهِ قِصَار

  ونحن لا نستعظم سبه ولا أذيته، كما لم يستعظم أبونا ÷ تكذيب أعدائه، وقول المنتحلين للأديان قبله أنه خالف أنبياء الله، وافترى على الله، فلنا


(١) الساقة من الجيش: مؤخِّره.